لا يسترعي الانتباه شريط بن لادن، بعد أصبحت التسجيلات الصوتية للقاعدة ظاهرة دائمة، لكن المعالجة بين المتحاورين حول هذه المواضيع تقدم النقطة الأولى التي تشكل البداية لحالة سائدة هي جزء من الأزمة. فالمشكلة ربما ليس فيما يطرحه بن لادن على سياق خطب الجمعة، بما تحمله من مصطلحات كصليبية، أو كلمات مستحدثة على التراث مثل الصهيونية. لأن المسألة أن بن لادن نفسه لا يمكن فصله عن الأزمة التي نعيشها.

عمليا فلا شيء جديد فيما يقوله، لأن الجميع يعرف قضية "الغزو" الإعلامي والثقافي، وأي طفل في الشارع "الشرق أوسطي" على الأقل يشعر بأن المنطقة برمتها تعيش حالة من التمواج والصراعات بسبب الحرب على العراق، أو حتى الضغوط الدولية ... ولكن المشكلة ان بن لادن لا يتعبر نفسه جزء من هذه الأزمة، ولا يرى أن آليات القاعدة وتجربة أفغانستان، وتجربة المحافظين الجدد أيضا، شكلت قاعدة الأزمة التي نعيشها. وربما على العكس فإنه لا يطرح نفسه حلا فقط بل يرى أنه الطرف الآخر في هذا الصراع، ويغتصب حق المجتمعات عندما يعتبر نفسه معبرا عنها.

في هذه الصورة تبدو المفارقة في رؤية بن لادن، لأن طروح الولايات المتحدة محسومة فهي "الآخر" مهما دفعت من أموال لخلق بنية إعلامية وثقافية لاختراق المجتمع، لكن بن لادن يعتبر نفسه "المجتمع" ويفترض بأن ما يقوله "توجيها" لذلك فهو ليس بحاجة لاقناعنا بمقولاته بل علينا تتبع التوجيهات على سياق "الوعظ والإرشاد" ...

داخل هذه الثقافة التي يفترض بن لادن أننا موجودون فيها فإن عليه فقط تحذيرنا، وربما حمايتنا رغم أنه شخصيا أصبح "ظاهرة افتراضية" نشك بوجودها الفيزيائي، وهو مع باقي قيادات القاعدة يكاد يصبح في الأذهان مثل "المهدي المنتظر" وبصورة تدعي صراعا بين الحضارات لكنه يتم وفق دار الحرب والسلم، وبشكل أشبه بما تواجهنا به كتب التراث.

في اللحظة الراهنة فإن ما نعاني منه يبدو أكبر بكثير من فرضيات "الاستقلال الثقافي" كما يريدها بن لادن، وربما لا يتاح لأفراد المجتمعات الخضوع للثقافات الوافدة وعمليات الغزو، لأنها مضطرة في كثير من الأحيان لمعالجة مشاكلها وفق خبرات الآخرين بعد توقف "الخبرة" في ثقافتنا عن اختصار الحضارات بـ"الصليبية" ... ومسألة العدو تبدو أعقد من فصل العالم على مظهر بن لادن أو بوش، فالعدو "الواضح" اختفى تماما ... والعدو الذي يجب أن أطوعه فإنا أن يدخل الإسلام أو يدفع الجزية هو صورة تدعونا للبكاء مثلما يدفعنا تصنيف بوش التبشيري إلى "الضحك".

بن لادن هو جزء من الأزمة حتى ولو اتفق البعض معه حول المعطيات التي يتحدث عنها بشأن انفاق الولايات المتحدة المليارات لـ "غزونا" ... لأنها "غزوتها" تأتي بعد أن كرس بن لادن الصورة النمطية التي فرضها خلال حرب أفغانستان.