نجيب نصير

بدا مؤتمر الترجمة (والمقصود الترجمة الورقية من اللغات الأخرى إلى العربية)، بدا هذا المؤتمر وكأنه اجتماع لأعضاء ناد لهواة الترجمة تبادلوا الهموم والمقترحات والنقد الذاتي وشبه الذاتي (أي انتقاد تجارب الآخرين) واعتبرت الترجمة من خلال هذا المؤتمر كعملية خيرية كبرى قائمة على أكتاف بعض المتبرعين الذين يفنون أعمارهم في نقل العلم والمتعة إلى اللغة العربية، مرجعين جهدهم إلى المرجعية التراثية وكأن ما يفعلونه حراما لولا عهد المأمون الذي شجع الترجمة وبالتالي أباح هذا الفعل الارتجاعي الذي يتضمن إعادة الإبداع عن اللغة التي تاه عنها.

في هذا الزمان لن ينتظر احد المترجمين حتى ينقلوا العلوم والفنون إلى اللغة (الأصل)، فالأصل في العلوم والفنون ليس اللغة، بل ان هذه العلوم والفنون هي منتجة اللغة، ولن ينتظر الطفل احد كي يترجم له لعبة (اليوغي) أو طريقة استعمال الكاميرا الديجتال ناهيك عن الكثير من المصالح الحياتية التي تتطلب الترجمة الفورية والا تم الاستغناء عن الترجمة، فالتطور اللحظي في علوم الطب لن ينتظر التعريب ولا فنون البنوك والأسهم حيث يقبع رجال الأعمال كـ"الأطرش في الزفة" أمام موظف بسيط يعرف لغة البنوك وليس الإنكليزية أو الفرنسية.

انها مسألة سباق مع الزمن لا ينفع معها ترشيد أو تأطير فالكل بحاجة إلى المعرفة، والمعرفة قابعة في اللغات الأخرى التي تخضع لتطور لحظي تنتج عنه مصالح فردية واجتماعية إذا لم تستجب له اللغة لحظيا أو أنتجت مقابلاته (أي التطور) فالاندثار وارد تماما في هكذا ظروف، والاندثار هنا ليس موت اللغة بل عدم صلاحيتها للاستخدام الإبداعي الحديث، فتدخل وتدخلنا معها إذا تمسكنا بها إلى نفق ترويض الإبداع والخيال، محولة الواقع الإبداعي إلى ارض واطئة تسيل إليها لغات الإبداع الحي، تتحول فيها الترجمة إلى عملية بائدة ليس بسبب اختلاف السرعة كما هو مشخص الآن، ولكن لاختلاف مفهوم اللغة ذاته، حيث تبدو لغتنا بطاقتها على التصور لا تتجاوز مرحلة التفاهم الأولية لدى بني البشر وكأنها لغة إشارات تقبع في زمن هو غير الزمن الحاصل أو الناتج عن الإبداع بكافة مستوياته وآلياته وأدواته ونتائجه، وبالتالي فأن الأداء الاجتماعي سوف يبدو هزليا بالمقارنة للتصور الذي تعطيه اللغة الإبداعية المعاصرة، فنظرة واحدة إلى اسطحة المدن المملوءة بالدشات تظهر لنا كم من سوء الترجمة قد حصل على كافة الأصعدة وكذا علاقتنا بإشارة المرور أو السيارة أو البنوك والأسهم أو العلاقة مع البيئة، انها عدم مقدرة اللغة على استقبال التصور وليس التحول من لفظ إلى لفظ مقارب أو مطابق.

الترجمة هو سياق حداتي يجب ان يكون مخدوما في المصالح الاجتماعية قبل إتمام هذه العملية البسيطة، فالطليان واليونانيون ( وهما لغتان مفردتان ضمن الحدود الجغرافية ) لا يستغنون عن الترجمة من اللغات الأخرى ولو ليوم واحد وبالمقابل فالعالم الكبير لا يستغني عن الترجمة عنهما لتتحول الترجمة إلى عملية مشاركة بالتصور وليس مجرد إقتداء بعصر المأمون، وإذا كانت ثمة ضرورة للترجمة فأن اقل الأمور أهمية هو تحويل اللفظة من أعجمية إلى.... عربية إذا افترضنا ضرورة ذلك !!!