يقول مصدر وزاري انه بات واضحا للرأي العام العربي والدولي ان سوريا هي المشكلة وليس لبنان في عملية استعادة سيادته الكاملة وبسط سلطته على كل اراضيه وفي تحسين العلاقات، لأن سوريا ترفض التعامل مع لبنان كدولة سيدة حرة مستقلة وذلك منذ عام 1943 الى اليوم، حتى وان كان من يحكم فيه اصدقاء او حلفاء لها فكيف اذا كان في الحكم من لا تعتبرهم كذلك؟ ففي عهد الرئيس سليمان فرنجيه ورغم ما كانت تربطه بالرئيس حافظ الاسد من علاقات ود وصداقة، فقد انزلت سوريا الخشبة عند المصنع واقفلت الحدود بين البلدين ولم تراع هذه الصداقة لأنها تضع مصلحة سوريا فوق الصداقات. وعندما قرر الرؤساء الهراوي وبري والحريري وبعد موافقة الامين العام للامم المتحدة والولايات المتحدة الاميركية واسرائيل، وهي موافقة تحصل لأول مرة، على ارسال الجيش اللبناني الى الجنوب ليصبح وحده المسؤول عن حفظ الامن في المنطقة والدفاع عن حدود الوطن ضد اي اعتداء، رفضت سوريا ارسال هذا الجيش رغم اجماع الرؤساء في لبنان على ذلك، بذريعة التخوف من احتمال حصول صدام بين الجيش والمقاومة اذا ما اضطر الى وقف عملياتها فترد اسرائيل عليها ويصبح الجيش عندئذ بين نارين.

وعارضت سوريا انسحاب اسرائيل من منطقة جزين بعدما وافق لبنان على "جزين اولاً"، على ان يليها سعي لتحقيق الانسحاب الكامل من الجنوب. وكانت حجة السوريين ان الانسحاب من جزين اولا قد يكون آخر انسحاب ولا يعود يتحقق الانسحاب الكامل.

وعندما كان البحث يدور في لقاءات الطائف حول تحديد مدة لبقاء القوات السورية في لبنان، اصرت سوريا على رفض تحديد اي مدة لبقائها، وربطت طلب انسحاب هذه القوات بموافقة الحكومة اللبنانية، شرط ان تكون حكومة وفاق وطني، ظناً منها ان هذا الوفاق لن يتحقق فلا تعود بالتالي مطالبة بهذا الانسحاب من لبنان فتبقى عندئذ الى اجل غير معروف.

لذلك فان المطالبات بانسحاب هذه القوات التي صدرت عن الرئيس الياس سركيس وبعده عن الرئيس امين الجميل ومن ثم عن رئيس الحكومة حينذاك العماد ميشال عون، لم تستجبها سوريا، وكانت تتذرع تارة بالقول ان هذه المطالبات ينبغي ان تحظى بموافقة الاكثرية الساحقة من الشعب اللبناني، وطورا بالقول إنها لا تستجيبها تحت الضغط وإنه لا بد من التوقف عن هذه المطالبات كي يتم الانسحاب في جو هادىء وبعيد عن الاستفزاز، فكانت النتيجة ان هذا الانسحاب لم يتم، لا تحت ضغط المطالبة ولا في اجواء هادئة.

وعندما قام في لبنان حكم موال لسوريا، وهو ما سعت لقيامه منذ ان اشترطت تأليف حكومة وفاق وطني، لأنها راهنت على تعذر تشكيل مثل هذه الحكومة، اطمئنت الى بقاء قواتها في لبنان الى اجل غير معروف، لأن هذا الحكم لن يطلب سحب قواتها، وهو ما حصل فعلا. لكنها لم تحسب حسابا لصدور القرار 1559 ولا لردود الفعل الشعبية الواسعة والغاضبة على جريمة اغتيال الرئيس الحريري ورفاقه، التي فرضت انسحاب هذه القوات بسرعة غير متوقعة.

وعندما طالبت حكومة الرئيس السنيورة باقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا وبترسيم الحدود ولا سيما حدود مزارع شبعا، إثباتا لملكية لبنان فيها وتوصلا الى تحرير هذه المزارع من الاحتلال الاسرائيلي، اشترطت سوريا لاستجابة ذلك حصول وفاق بين اللبنانيين وقادتهم، ظناً منها ان هذا الوفاق لن يتحقق. ولكنها فوجئت به بعد أن صدرت قرارات بالاجماع في مؤتمر الحوار، فردت بالقول ان لا حاجة الى ترسيم حدود مزارع شبعا، وان على اسرائيل ان تنسحب منها وبعدها يتم ترسيم هذه الحدود، لأنها تعلم ان اسرائيل لا تنسحب ما لم يتم هذا الترسيم، ولأن اسرائيل اذا وافقت على الانسحاب فانها تنسحب من الاراضي التي هي ملك للبنان وليست ملكا لسوريا، فيبقى وضع هذه المزارع برفض ترسيم الحدود على ما هو، اي تحت الاحتلال الاسرائيلي، وتبقى جبهة مفتوحة بين اسرائيل والمقاومة تتلقى الفعل ورد الفعل، وتحول بالتالي دون جعل الجنوب بكامله جبهة هادئة مثل الجولان.

اما اقامة تمثيل ديبلوماسي بين لبنان وسوريا فقد رد مسؤولون سوريون على ذلك تارة بالقول ان لا شيء يدعو للعجلة، وطورا بالقول ان المجلس الاعلى اللبناني – السوري هو الذي يقوم مقام هذا التمثيل، وانه لا بد من خلق اجواء ثقة وازالة التوتر قبل البحث في ترسيم الحدود واقامة تمثيل ديبلوماسي، في حين ان طبيعة الامور تقضي، عند حصول توتر بين دولتين، بازالة بعض اسبابه فاذا كان خلافا على الحدود فيتم اتفاق على ترسيمها وهو ما يحصل بين الدول المتجاورة، وان يقوم تمثيل ديبلوماسي يعالج ما يطرأ من خلافات، علما ان التمثيل الديبلوماسي بين الدول هو علامة على حسن العلاقات، وخفض هذا التمثيل او تقليصه او الغائه هو علامة تدهور في هذه العلاقات.

والسؤال المطروح بعد عودة الرئيس السنيورة والوفد المرافق من الزيارة الموفقة للولايات المتحدة الاميركية والامم المتحدة والدعم الذي حظي به للمطالب التي عرضها هو: هل سيترجم ذلك تنفيذا لما تبقى من القرار 1559 وللمقررات التي صدرت بالاجماع عن مؤتمر الحوار؟ وكيف سيتم ذلك ووفقا لأي آلية، اذا ظلت سوريا ترفض التعاون والمساعدة على تنفيذ هذه المقررات، لأنها لا تريد ان يخرج لبنان من مشكلاته، كي يظل ورقة في يدها معروضة للبيع والشراء وللمساومة. وهل ستبادر الدول العربية من جهتها وتحديدا مصر والسعودية الى اقناع سوريا بضرورة التجاوب مع المطالب اللبنانية وقد صار اجماع عليها في مؤتمر الحوار، وبعدما فقدت سوريا ذريعة التشكي من لبنان ولم تعد تملك ما يبرر مماطلتها في تنفيذ اي مطلب، سوى معاودة حملة بعض صحفها على الرئيس السنيورة ردا على زيارته الناجحة.

ثمة من يخشى بفعل اشتداد التدخل السوري في شؤون لبنان الداخلية اثارة خلافات حول نتائج الزيارة وايقاظ الخلايا السورية النائمة واستنهاض من تبقى من حلفائها، وجعل الجلسة الاخيرة للحوار فاشلة فلا يتم اتفاق لا على مصير الرئيس لحود وقد بات من المتوقع ان يبقى حتى نهاية ولايته، ولا اتفاق على الاستراتيجية الدفاعية عن لبنان لتقرير مصير سلاح المقاومة، فينعكس ذلك سلبا على القرارات السابقة التي صدرت بالاجماع، بحيث يعمد المتحاورون القريبون من سوريا الى اعطاء تفسيرات واجتهادات لتنفيذ هذه القرارات مثل القول بأن يتم الانسحاب الاسرائيلي من مزارع شبعا قبل ترسيم حدودها، ومثل القول ان اعادة الثقة بين البلدين وازالة التوتر الناجم عن الحملات الاعلامية المتبادلة يجب ان يسبق البحث في اقامة تمثيل ديبلوماسي، وان يسبق ذلك ايضا اقامة طاولة حوار سورية – لبنانية في اطار المجلس الاعلى اللبناني – السوري، اي بحضور الرئيس الاسد والرئيس لحود ومن نص نظام المجلس على حضورهم، للبحث في القرارات التي صدرت عن مؤتمر الحوار فضلا عن مواضيع اخرى ذات الاهتمام المشترك للبلدين... فيعود طرح كل ذلك ليثير خلافات بين اللبنانيين وقادتهم تكون كافية لتعطيل اي مسعى عربي او دولي لحمل سوريا على تنفيذ القرارات وذلك بحجة ان لا اتفاق لبنانيا حول وسائل تنفيذها...