ماهر سمعان

في كل مرة يصدر فيها تصريح من سياسي في اي مكان من العالم يعارض أو ينقد بشدة المواقف والسياسات السورية على اي صعيد كان (اقتصادي, تعليمي, محلي, سياسي, داخلي, خارجي....) وفي كل مرة تصدر فيها قرارات من دولة أو منظمة دولية ضد سوريا لتهددها بإقرار عقوبات من أي شكل, وتفعل ذلك فعلا في النهاية (التجاري كمثال) تفاجؤنا التصريحات الرسمية السياسية والاقتصادية والصحفية بأنها تستقبل مثل هذه الأنباء والعقوبات بتقليل أهمية مثل هذه الأحداث وضعف تأثيرها على الاستقرار والنمو الاقتصادي في سوريا مستشهدين بأرقامٍ تكاد تكون خيالية لمعدلات استثمار وفرص عمل تتخطى أكثر الدول نموا في العالم مندفعين في ذلك إلى حد التفاؤل بمثل هذه العقوبات؟؟!!!

كانت سوريا منذ ما يزيد عن ست اعوام بدأت بالاصلاح الذي تصدره المجال الاقتصادي على اعتباره المدخل الأساسي نحو تحسين الوضع المعيشي والاجتماعي. هذا المجال الذي كان ولا يزال يصارع الكثير من العوائق القديمة بين سطوة التعليمات التنفيذية والتوجيهات الوزارية, الى جانب قوانين وآليات بيروقراطية يحاربونها بطرق بيروقراطية في مؤسسات يتغذى ويعيش عليها كما يتضح يوما بعد يوم, دون ان ننسى عادة إصدار القوانين وتعطيلها بشكل يكاد يصبح تقليدا.. ويضاف الى هذه العوائق أخرى جديدة ويومية متمثلة بكل ما يصدر في العالم من عقوبات وقرارات مقاطعة واتفاقيات مصيرية متوقفة حتى اشعار آخر (الشراكة الاوروبية).... ولكن وعلى ما يبدو فان قادة الفريق الاقتصادي السوري يرى في مثل هذه العقوبات والقرارات وجها آخر مشرقا الى حد قد يعميك بنوره كما أعماهم من قبلك عن رؤية أي وجه آخر قد يكون مظلما...

تقوم الفكرة الأساسية التي يعتمد عليها المتفائلون في الإدارة الاقتصادية في البلاد على نقطتين؛ ألوهما قوة الاقتصاد السوري وامكانياته الهائلة والمخزونة في مجالات للاستثمار لم تدخل المنافسة حتى الآن, يحلم بها كل رأس مال في العالم, وخدمات ونشاطات اقتصادية لم يسمع به الشعب السوري بعد. اما النقطة الثانية فهي في ما قد تؤديه مثل هذه المواقف الدولية الضاغطة على سورية من خدمة الى الاقتصاد السوري في إعادة رؤوس المال السورية للاستثمار على ارض الوطن, كرد فعل وطني؛ يضاف إليها رؤوس الأموال العربية التي ستتدفق الى سوريا بدافع التضامن العربي ودعم المواقف السياسية السورية.

أما عن هذه الفكرة او وجهة النظر فان سؤال بسيطا قد نكون مضطرين ان نوجهه الى كل متفائل بمثل هذا الشكل, فما الذي سيدفع رأس مال وان كان وطنيا الى ان يقوم باستثمارات ليست مخاطرة في معدلات الربحية او الخسارة فحسب... بل في الخضوع الى قوانين سوق اشبه ما تكون بحياة القبائل فلكل زعيم اراضيه الخاصة للرعي ومجالات التجارة التي تعتبر حكرا عليه وعلى ابناء قبيلته وجماعته وأصحاب الحظوة, وهؤلاء على استعداد الى محاربة اي متطفل يحاول كسر احتكارهم ودخول أسواق ومجالات عملهم الخاصة بأي وسيلة؛ وان كان سوريا او عربيا او حتى أخوه الشقيق.

غياب كبير للقوانين وحضور قوي للتعليمات التنفيذية. انعدام للتعددية واعتماد يكاد يكون كاملا على الاحتكارات. فساد مستشري في كل قطاعات الدولة حتى القطاعات المسؤولة عن محاربة الفساد نفسها, يضاف الى كل هذا معدلات الدخل وقوة شرائية للمواطن التي تعتبر من أدنى المستويات في العالم.... ان الأمر ببساطة ان ازمة التفرقة تجاه العرب في الولايات المتحدة والغرب عموما بعد 11 أيلول, أدت بشكل كبير الى تفكير رؤوس الاموال العربية بالعودة الى الوطن والاستثمار فيه (وبعضهم فعل) وان اي ازمة سياسية او اقتصادية في اي مكان في العلم تعتبر فرصة لانتقال رأس المال من هذا المكان الى آخر... ولكن ماذا نفعل نحن على ارض الواقع ومن جانبنا لنستقبل على الاقل رؤوس اموالنا في مثل هذا الحال! وهل ما نفعله كافيا أو فعالا.