العماد ميشال عون، منذ عودته من المنفى، هو خارج السلطة. العماد ميشال عون، منذ عودته من المنفى، هو خارج المعارضة. عام مضى، والعماد وتيّاره يمكثون في هذه المنطقة الرمادية ما بين السلطة والمعارضة، وكذلك ما بين الثامن والرابع عشر من آذار. غنيّ عن القول أنّ هذه المنطقة الرمادية لا تستهوي العماد عون وميله إلى الحزم والحسم، كما لا تستهوي أيضاً تيّاره الشبابي الذي يعيش منذ عودة جنراله الفترة الأكثر هدوءاً منذ تأسيسه. فهذا التيار الذي لم يعرف الكلل أو الملل طيلة الحقبة السورية، يبدو الآن في حالة ترقّب، فيما انتقلت الحركة إلى تيّارات شبابية خصمة. على الرغم من ذلك، لم يغادر الجنرال وتيّاره المنطقة الرمادية. لكنّ عدم المغادرة هذا كان محكوماً باعتبار المرحلة مجرّد مرحلة انتقالية نحو الحكم، نحو قصر بعبدا الذي ظُنّ أنّه سيفتح ذراعيه للرئيس الأقوى شعبياً بعد <تحرير> البلاد.

طالت الفترة الانتقالية، وقد تخلّلتها أكثر من إشارة توحي أنّ ما يتعامل معه الجنرال على أنّه فترة انتقالية، يريده الآخرون مكوثاً مديداً. إن كان للسجال الأخير بين <تيار المستقبل> و<التيار الوطني الحر>، كما للتصريحات الأخيرة للعماد عون ولكتلة <الإصلاح والتغيير> من معنى، فهو أنّ الجنرال يعلن لمن يهمّه الأمر أنّ المكوث في المنطقة الرمادية لن يستمرّ بعد اليوم. وهو لذلك يعطي الأكثرية النيابية واحداً من خيارين: إمّا القبول به صراحة رئيساً مقبلاً للجمهورية عبر الالتزام بموقف واضح على طاولة الحوار، وإمّا الاستعداد لمواجهته في الشارع. والتيار، كما جزء كبير من الشعب اللبناني، لا تنقصه الأسباب والموجبات لتلبية الدعوات للعصيان.

يعرف الجنرال أنّ الأكثرية تعتبره رئيساً مزعجاً، وأنّ ما من أمر سيغيّر قناعاتها هذه، وهي إن قبلت به رئيساً للجمهورية، فإنّها لن تفعل ذلك إلا على مضض. لذلك يريد الجنرال للأكثرية أن تعرف أنّه رئيس مزعج فعلاً، لكن من لا يريد أن يتحمّل إزعاجه في السلطة، فليجرّب إزعاجه في المعارضة. الأكثرية مخيّرة إذاً بين إزعاجين، أحلاهما مرّ بالنسبة إليها، خصوصاً إذا ما اعتبرنا أنّ قوى الثامن من آذار جاهزة، على هذا الصعيد، لملاقاة الجنرال في الساحة التي يقترح.
اختار الجنرال في تصريحاته الأخيرة الموضوع الاقتصادي كدافع للتصعيد، محذراً في هذا المجال من <أنّ استمرار الأكثرية في تجاهل القضايا الاقتصادية المعيشية المتفاقمة سيفجر انتفاضة شعبية عارمة لا احد يستطيع احتواءها او معرفة عواقبها الوخيمة>. كما هاجم ورقة بيروت 1 واصفاً إيّاها ب<المزعومة إصلاحية>، محذّراً من فرض <المزيد من الضرائب والرسوم على الطبقات الفقيرة والمعدمة>، معلناً أنّ <التكتل سيتصدى لها بكل الوسائل والطرق القانونية وعلى صعيد التحركات الشعبية الواسعة متى دعت الحاجة>.

لا يحتاج الجنرال إلى <تحقيق مالي>، كما يهدّد دائماً، ليعرف كيف تراكم الدين العام. تكفي مراجعة تقارير مجلس الإنماء والإعمار كي ندرك النسبة الضئيلة التي يحتلّها الإعمار من مجمل الدين العام. لا يحتاج الجنرال إلى تحقيق لأنّ أسعار الفوائد والنظام الضريبي والمضاربات العقارية وتسليع الممتلكات العامة والسطو على ممتلكات الوسط التجاري الخاصة قد تمّت كلّها وفقاً للقوانين. لكن، قبل أن يستطيع الجنرال الحديث عن أيّ من هذه المسائل، وقبل أن يدافع عن مصالح الفقراء والمعدمين، عليه، ومن أجل صدقيّته، أن يقدّم اعتذاراً إلى الشعب اللبناني يتراجع فيه عن البرنامج الاقتصادي الذي تبنّاه <التيار الوطني الحر> في الكتيّب الذي تمّ توزيعه على المواطنين، خصوصاً أنّه برنامج سبق للجنرال أن ترشّح للانتخابات، وطلب ثقة الناخبين، على أساسه.