بمقارنة بسيطة بين الصور ربما لن نجد فرقا كبيرا بين "الزرقاوي" كما أطل علينا، والكثير من أساليب "الصوفية – السياسية" التي تجابهنا في عمل "التيارات" أو "الأحزاب" و "الحركات"، لأن الشكل "التخيلي" للتفوق هو ثقافة لا يمكن فصلها عندما نرى الزرقاوي يتنقل مع مريديه وحراسه، ويحكم على الجميع بـ"الكفر" ويطلق علينا قناعته بالتفوق ويقينه بالانتصار. فإذا استبدلنا بعض المصطلحات فإننا سنقف عند نفس الصيغة التقريرية في أي بيان أو تصريح سياسي، أو حتى ندوة من المفترض أن تفتح الآفاق لا أن تخنقنا بقدرتها على امتصاص عقولنا.

مسألتنا مع الزرقاوي هي نفسها مع أي تشكيل سياسي آخر، يعتقد أن كل الأزمات هي لأنه لا يمسك بزمام الأمور، ولأنه مُبعد ومقاوم ... لكنه يحمل مفتاحا سيدخلنا إلى مجال جديد في الحياة فنطوي صفحة المعاناة ونبدأ مرحلة جديدة. فالمشكلة أن تجاربنا السياسية ليست "تاريخية" بالمعنى العلمي للكلمة، فهي تريد القفز على الواقع على شاكلة سفينة نوح التي ترى أن الحل هو في عملية اصطفاء وانتقاء ثم النجاة على سفينة بعد أن يعم الطوفان الأرض.

كل الأحزاب بشرتنا بالمستقبل على شاكلتها، ووعدتنا بأن الأرض "سيرثها" المجاهدون أو المقاومون أو المناضلون أو "الإنسان الجديد" ... لكننا وسط حمّى التبشير تاه بنا الزمن فأصبحنا على اعتاب الماضي وصراع القبائل وفتنة "عبد الله بن سبأ" بدلا من أن ندخل عصر الأنوار الخاص بنا. فالمشكلة ربما تكمن في أننا مازلنا نعيش "روح النبوة" التي تحمل النهايات الحدية ... ويرسمنا الفردوس المفقود كأطفال يقتاتون من المرويات التي وجدت في لحظة مجهولة ثم اختفى أبطالها.

بمقدور الزرقاوي ممارسة القتل، وباستطاعة الأحزاب ممارسة الاستلاب التاريخي، بينما تبقى الجغرافية التي نعيشها في الواقع ووسط صور الحرب الدائمة من العراق إلى فلسطين .... فـ"شبح" الحرب لم يصبح واقعا إلى في اللحظة التي قفزنا فيها على أي قانون في التاريخ البشري لنكتب كما من القناعات القائمة على خيال رسمه حلم الفردوس.

لم يكن أبو مصعب الزرقاوي فريدا في هذا العالم .. فهو الصورة التي يمكن أن تتكرر في كل ثانية ولو بشكل أقل حدة، أو بحالة من التعتيم ... لكن في النهاية هناك تجارب تتكرر ويستمر معها "الويل" ... إنه "الويل" القادم من قدرتنا على التخيل ورسم العدو ثم بناء فردوس من الرمال.