حتى لو كانت الصورة واضحة، فإن قلق "المواطن" السوري لن يذهب بعيدا في عالم يتحول سريعا، ويتركه وسط أفق لم بألفه من قبل. فهذا القلق ربما لا علاقة مباشرة له بزيارة براميرتس أو بلجنة التحقيق وقضايا ترسيم الحدود، لأن الصورة "الذهنية" للأزمات لا تتشكل من خلال الحدث بل ربما عبر الصراع الذي يشهده في داخله، ومن تعدد الجبهات التي يراها استحقاقا ترسم له المستقبل.

مسألة المواطن ربما ترتبط مباشرة بحقوقه، لكن الحقوق ليست مطلقا يمكن فهمه على شكل المطالب السياسية فقط، فقبل التجريد الذي نجابهه في نشرات حقوق الإنسان حول الاعتقال "التعسفي"، فإن طريقة الفهم لهذا التعسفي مازالت مختلطة ما بين الاتهامات حول الجزر والإرهاب وصولا إلى التعسف باستعمال الحق، وما بين هذا الخلط فإن الصورة الوحيدة لمسألة الحقوق هي التهديد الدائم والقادم من أي شخص أو جهة، طالما أن مفهوم "المواطن العائم" هي أرث ثقافي .. والهم ليس تحصيل الحقوق بل معرفة الطريق "نحو الآخرة".

قلق المواطن السوري لن تكون من الشريط المصور لأبو مصعب الزرقاوي، رغم أننا لن نعجز عن إيجاد مكان لنا في قائمة "الكفار" التي رسمها الزرقاوي. فالقلق الحقيقي من الضغط التي يمارسه الإعلام وكأن الشريط سيشكل نهاية المطاف لمجتمع يستفيق على خبر عاجل، وينام على "حصاد اليوم" العاصف بالتصريحات والصور المتقطعة للشخصيات والكلمات وبقايا اللحظات المتراكمة على الوجه.

حقوق أو قلق المواطن باتت متحولة أكثر من أي يوم مضى، وهو لا شك يبحث أيضا عن "عزلته" الحقيقية التي تتركه لمساحات يتأمل بها ليغرق في كم إشارات الاستفهام حول "إدارته لحياته"، والأرقام التي تقلقه سواء كانت حجم الاستثمارات القادمة أو كم الديون المترتبة عليه، أو حتى نوعية التلوث التي تضرب جسده وتجبره على إنفاق المزيد للرعاية الصحية.

مفاتيح المواطن اليوم ليست في "القلق العام" ... وأزمته ربما في "النخب" التي تريد اغتصاب التعبير عنه، مهما كان موقع هذه النخب .. بينما "المواطن العائم" هو الذي يشهد التحول بهدوء يخفي الكثير من الدهشة وعدم القدرة على استيعاب ماذا سيحصل مستقبلا ليس فقط بالنسبة له، بل أيضا لهجوم الماضي عليه بحيث لا يعرف بأي زمن يعيش، وهل هناك صحوة أم غفوة ....