يصطدم القارئ منذ الفصل الأول الذي خصص لبحث اللقاءات السورية الإسرائيلية المبكرة قبل حرب 1948 بين "الوكالة اليهودية" وأعضاء في "الكتلة الوطنية" بحقيقة غياب الوثيقة السورية على اختلاف أنواعها، واعتماد الباحث على الرواية الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر. إذ يعرض الباحث تطورات سير الأمور كما هي معروفة في تلك الفترة وصولاً الى "النكبة" دون أي جديد، فإنه يتجاهل أحداثاً غاية في الأهمية، تم الكشف عنها عبر المحاضر السرية لتاريخ دولة إسرائيل خصوصاً في ما يتعلق بجيش الانقاذ.

ويتابع الباحث عرضه لمفاوضات اتفاقية الهدنة وما رافقها من عروض سرية من قبل "حسني الزعيم" وكذلك "أديب الشيشكلي" للتوصل الى اتفاق سلام بين سوريا وإسرائيل.
وبعد استعراضه "لانقلاب الثامن من آذار" وتسلم البعث السلطة و"حركة 23 شباط" عام 1966 يقر الباحث بأن السياسة السورية تتحمل قسطاً وافراً من المسؤولية في منع حرب وشيكة لا تقدر عليها، وهو ما حدث في حرب 1967، لكن زيادة يرى ـ نتيجة استنتاجات مبنية على بعض التصريحات الإسرائيلية ـ أنه "كان ثمة قرار مسبق لاحتلال الجولان"، رغم كل ما كشف من وثائق تؤكد بأن قرار الحرب على الجبهة السورية لم يتخذ إلا في 9 حزيران أي بعد أربعة أيام على بدء الحرب على الجبهة المصرية، وهي الجبهة التي كانت مستهدفة منذ البداية، والتي استدرجت "بطعم سوري" كما كشف الكاتب والصحافي الكبير "محمد حسنين هيكل" في أكثر من دراسة.

ويتابع د. زيادة بعد ذلك للوصول الى تسلم الأسد السلطة والتنسيق مع السادات لحرب تشرين الأول 1973، التي خاضها البلدان بجداول أعمال مختلفة، وتوقيع اتفاق "فصل القوات" التي أصر الأسد على انسحاب إسرائيل من مدينة القنيطرة لتوقيعه، دون التوسع في دراسة هذا الاتفاق الذي ظل جزء كبير منه سرياً.

ويرى د. زيادة أن الأسد كان يعيش شبه عزلة عربية وإقليمية في عقد الثمانينات أصبح بعد 2 آب1990 مركزاً للتحولات الاقليمية المقبلة. وسيكافأ على اشتراكه في "حرب الخليج" بالحصول على دعم لجهوده في لبنان، وتعهد من الرئيس الأميركي جورج بوش بضرورة إيجاد حل شامل للصراع العربي الإسرائيلي، فكان مؤتمر مدريد للسلام الفرصة الأولى للجلوس بين الأطراف المتنازعة، والذي سيمضي العام الأول بدون أي تقدم. بانتظار الانتخابات الإسرائيلية التي ستحمل اسحق رابين لرئاسة الحكومة عام 1992، والذي سيتم التوصل معه بعد تسلم "بيل كلينتون" سدة الرئاسة الأميركية الى صيغة لاستئناف المفاوضات على أساس ما سيعرف لاحقاً بـ"الوديعة" التي تنص على استعداد رابين للانسحاب الى خطوط الرابع من حزيران إذا ما أبدى الأسد تفهماً لحاجات إسرائيل في القضايا الأخرى. لكن تساؤلات الأسد حول خط الرابع من حزيران وتشكيكه في العرض الإسرائيلي دفع رابين للمضي في اتفاق أوسلو الذي كان أصبح ناجزاً.

ويبيّن د. زيادة أن الرئيس السوري الراحل هو الذي فتح الباب لاستئناف المفاوضات بعد عودة حزب العمل برئاسة ايهود باراك للسلطة في إسرائيل. عبر صيغة "استئناف المفاوضات من حيث توقفت" وهي الصيغة التي تم على أساسها استئناف المفاوضات بعد عدة أيام في "شيبردزتاون" بإشراف مباشر من الرئيس الأميركي "بيل كلينتون" وبرئاسة كل من "فاروق الشرع" و"إيهود باراك". ويكشف د. زيادة أنه بقدر الأهمية التي حظيت بها هذه المفاوضات، فإن "باراك" تراجع عن رغبته في استئنافها نتيجة وضع حكومته الشديد التعقيد، والمعارضة الكبيرة لثمن السلام، وهو ما أبلغ به الأميركيين لحظة وصوله أرض المطار.

ويبين زيادة في قصة باتت معروفة للجميع كيف نجح باراك في إفشال اجتماع لجنة ترسيم الحدود وإصراره على اجتماع اللجان الأخرى مما أفشل المفاوضات بعد عدة أيام.
ويوضح الكاتب بالتفصيل كيف أصر الرئيس الأميركي على محاولة استئنافها خلال قمة جنيف، عبر العرض الإسرائيلي الذي نقله للرئيس الراحل، ويقوم على تغييرات كبيرة في حدود الرابع من حزيران، ورفض الأسد استكمال الاستماع إليه، الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية لاحقاً لتحميل سورية مسؤولية فشل القمة وتوقف المفاوضات بشكل نهائي حتى اليوم.
ويبقى القول إن الكتاب استطاع الى حد كبير أن يقدم رواية مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية، لكنها أبداً ليست الرواية السورية، إذ أنه اعتمد بشكل شبه كامل على ما سبق ونشر عن هذه المفاوضات، وتقديمه في كتاب شامل، ورغم أن الدكتور رضوان زيادة شكر في مقدمة كتابه "المسؤولين السوريين الذين اعتمد الكتاب في كثير من مقاطعه على مقابلات خاصة معهم دون نشر أسمائهم" فالمعلومات الجديدة على أهميتها لا تحمل أي قيمة علمية إذا لم يتم ذكر مصدرها، خصوصاً في موضوع كثر فيه تضارب المعلومات.