قطع خطاب خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" في دمشق يوم 21/04/2006 الشك باليقين وكشف حقيقة قيادة "حماس" في الخارج ونعني دمشق بالدرجة الاولى.

الأجهزة الاعلامية لـ"حماس" ومواقعها على الانترنت تجاهلت النص الكامل لخطاب مشعل مكتفية بنشر مقتطفات مختارة، أما السيد مشعل فقد أجهد نفسه بعد أن "ذهبت السكرة وعادت الفكرة" في البحث عن عذر حين قال "البعض أخذ اقوالي وتصريحاتي على غير وجهها ووظفها في اثارة اجواء احتقان في الساحة الفلسطينية". واضاف انه يكنّ "كل الاحترام لحركة فتح ولكل الفصائل. نحن لا نسيء الى احد لكن الاخطاء ينبغي ان تصوب ولا ينبغي ان تظلم الحكومة الفلسطينية ويكفي ما نتعرض له من حصار اميركي واسرائيلي". (نقلا عن يومية "الحياة الجديدة" الفلسطينية 23/04/2006) .

وقائع خطاب دمشق الاخير الذي نقل بالصوت والصورة على فضائيات عربية وجدت فيه سبقاً صحافياً فراحت تعيده وتكرره وتحلله يضعف جميع تبريرات مشعل. وإذا أبدى المواطن الفلسطيني قدراً من التفهم لهذه التبريرات يبقى سؤال على قدر من الاهمية: وماذا عن خطاب مشعل في "مؤتمر القدس" في العاصمة الايرانية طهران قبل أيام خلت؟ لماذا انسحب من قاعة المؤتمر عدد مرموق من الشخصيات الفلسطينية واللبنانية وحتى العربية أثناء إلقاء مشعل لكلمته التي تضمنت تهجماً على منظمة التحرير الفلسطينية والرئيس الفلسطيني؟

الادلة تقول أن خطبة مشعل جاءت لتطعن في الصميم مبادرات للحوار صدرت عن رئيس الحكومة اسماعيل هنية، ورئيس المجلس التشريعي عزيز دويك والقائد مروان البرغوثي والتي التقت جميعها على توحيد الجهود لمواجهة الضغوط الدولية الجائرة والعربية المتواطئة، حيث كان وزير الخارجية الفلسطيني الشيخ محمود الزهار قد استقبل بكثير من الفتور والتجاهل في القاهرة والرياض.

مرة أخرى خيب الرئيس محمود عباس وقيادة حركة "فتح" كيد المصطادين في الماء العكر حين أبدوا قدراً كبيراً من الحكمة والتسامح والاقتدار. كان بإمكان حركة "فتح" ومؤيديها الذين نزلوا الى شوارع غزة والضفة الغربية إحتجاجاً على خطاب مشعل إضافة متاعب جديدة الى حكومة هنية لكن ذلك لم يحدث. رد المسؤولين في "فتح" والرئاسة كان منسجماً وموقف المثقفين والمفكرين (أنظر صحف "الحياة الجديدة"، "الايام" و"القدس" في 21 و22 و23 نيسان 2006) في فلسطين والذي اتسم بالحكمة والعقلانية المسؤولة.

الرئيس محمود عباس بادر للدعوة الى عقد لقاء مع رئيس حكومته وكذلك فعلت قيادة "فتح" التي بادرت الى لقاء قيادة "حماس" للتشاور وتجاوز الحدث واعتباره غمامة صيف عابرة. وهنا لا بد من الاشارة الى أن قيادة "حماس" في فلسطين امتكلت الشجاعة الكافية في معالجة هذا الموضوع، هذا مع العلم أن لكل من "حماس" و"فتح" من المؤيدين والانصار القادرين على إحراق البيت الفلسطيني عن آخره أو زج الشعب الفلسطيني في أتون حرب أهلية مهلكة لا يسلم منها أحد.

ولكن الى متى يتحمل أهل فلسطين عفوية بعض الشخصيات الفلسطينية في الخارج وسذاجتها والتي كان خطابي مشعل في دمشق وطهران نموذجاً صارخاً عنها، في حين ينظّم الشيخ محمد نزال من بيروت حملات قدح وذم محمومة على شاشات الفضائيات العربية ضد شخصيات مرموقة في منظمة التحرير، ويتعهد فلسطينيون في لندن تجارة إدارة صحف وشبكات انترنت تصب الزيت على نار الخلاف وتدفع أهل المعاناة الواحدة في فلسطين الى هاوية الاحتراب.

لقد أصبح جلياً احد أمرين لا ثالث لهما، الاول: أن حركة "حماس" مقبلة على انشقاق بين الداخل والخارج كما يرى البروفسور أندرو رُكبي من جامعة كوفنتري والذي زار فلسطين بعد إنتخابات المجلس التشريعي الاخيرة. والثاني: أن خطاب حكومة "حماس" التصالحي في فلسطين تجاه الرئيس محمود عباس، وحركة "فتح"، وفصائل اليسار ومنظمة التحرير الفلسطينية هو خطاب من "يتمسكن حتى يتمكن".