في إحدى مسرحيات دريد لحام القديمة، يشتم غوار أحد المتسولين المقطعة ملابسه قائلا: أنت بورجوازي وله! في دلالة حينها على فوضى الاصطلاحات الناشئة عن غموض الرؤية وضبابيتها.
ويبدو أننا في هذه البقعة من العالم لم نزل نعاني من الفوضى ذاتها، ولم نزل مستهلكين للمصطلح لا منتجين له، شأننا في ذلك شأن استهلاكنا لآلاف السلع المستوردة من أقاصي الأرض!

حسب علمي هناك خلايا تفكير متخصصة في الدول المتقدمة مهمتها إنتاج المصطلحات لكل مرحلة من مراحل صراعها مع ’’الأعداء’’ والراصد للاعلام الاسرائيلي مثلا يستطيع أن يلحظ أن مختبراته ظلت طيلة الوقت متيقظة لانتاج المصطلحات اللازمة لكل فترة، فهي سمت الفدائيين مخربين، ثم إرهابيين، وسمت أراضي الضفة الغربية ’’المحتلة’’ الأراضي ’’المدارة’’ ثم يهودا والسامرة، وهكذا اشتقت لكل مصطلح عربي ما يوازيه في عرفها، وكذا فعلت خلايا التفكير الأمريكية في حروبها الحديثة ضد ما تدعوه ’’الارهاب’’ وفي حرب ’’تحرير العراق’’ لا اسقاط صدام حسين، وهي في هذا المجال تصف المقاومين بالمتمردين إن كانوا عراقيين، والمقاتلين الأجانب (أو المرتزقة) إن كانوا غير عراقيين، وفي كل حقبة تطلع علينا مختبرات التفكير (أو الثنك تانكس) بمصطلحات لكل حدث، سرعان ما نتلقفها ونبدأ باستعمالها كما نلتهم شطيرة الهامبرغر، غير عابئين بما تحتويه من نفايات غذائية متبلة!

وكما يصنعون ’’هم’’ مصطلحاتهم باتقان واحتراف، يبدو أن بعضنا يصنع مصطلحاته أيضا، ولكن المخرجات تأتي عندنا بمواصفات غير خاضعة للتقويم بل أقرب إلى العشوائية، كما هو شأن كثير من منتجاتنا الغذائية، التي يستعمل بعضها ألوانا وعناصر لم يعد مسموحا بها في الدول الغربية، لاحتوائها إما على مواد مسرطنة أو يشك بأنها تدمر الصحة على المدى البعيد، وقد لفت نظري قبل فترة أن هناك مواصفة اوروبية لانتاج المحصولات الزراعية اتفق عليها اتحاد منتجي الخضار في الاتحاد الأوروبي، دخلت الأردن منذ عام، وبدأ مزارعون نشطون في إنتاج خضرواتهم وفقها، وثمة اسواق أوروبية تتلهف لاستهلاكها، ما يفتح بابا عريضا أمام ما ينتجه غور الأردن من منتوجات لا يمكن إنتاجها في بعض فصول السنة في أي بقعة من العالم، ويحتاجها السوق الأوربي، وهو ما يحول منطقة الغور إلى كنز ثمين جدا يستدرج كميات هائلة من العملة الصعبة، يمكنها أن ترفع الأردن اقتصاديا، وتغير وجه الزراعة الأردنية، وتنقلها من صورة القطاع الفاشل المعتمد على غيره إلى صورة القطاع المنقذ!

فوضى المصطلح عندنا لم تقتصر على جانب دون آخر، فقد شهدنا مثلا خلطا غير مفهوم في معنى ’’الاصلاحيين’’ و’’المحافظين’’ على سبيل المثال، وغدا مصطلح ’’الاصلاحيين’’ مرتبطا مع التواطؤ مع الأمريكان والتوطين، فيما أصبح مفهوم ’’المحافظين’’ يطلق على من يقال أنه حريص على مصلحة البلد، وبمجرد أن يوصم أحدهم بأنه إصلاحي ينصرف الذهن إلى فلان أو علان بوصفهم يشتغلون ضد مصلحة البلد! الاصلاح هدف سامٍ ولا بد منه للتقدم سياسيا واقتصاديا، والمحافظة على الأصول قيمة رفيعة، فنترفق ببعضنا البعض، ولنتجنب تحويل مصطلحي ’’المحافظين’’ و’’الإصلاحيين’’ إلى شتائم، كما هو شأن غوار و’’الشحاد’’ البرجوازي!