مع أنه منطقياً يجب أن تكون الغزوات المميتة للإسلاميين المتطرفين ممولة, ومحللة وتحت قيادة القاعدة في إطار " الحرب المقدّسة ضد اليهود والصليبيين".

بنظر الخبراء , ليس هناك سوى معلومات مشكوك فيها في هذه التقارير التي غالباً ما تكون غير نهائية. إن أجهزة مكافحة الإرهاب مقتنعة تماماً بأن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري لم يفقدا الاتصال مع الشبكة الكوكبية _ وهي الجبهة الإسلامية العالمية التي يدعوان إليها منذ عام 1998_ وأنهما مازالا قادرين أيضاً بواسطة أسلوب معقد من الطرق والتحويلات على إيصال رسائلهما إلى الرجال والمنظمات التي تطوعت معهما.

ومع ذلك هل يمكن الحديث عن " قيادة موحدة" متمركزة في كهف أو قمة جبل في وازيرستان, قادرة على إدارة أعمال شبكة عالمية ؟ الجواب هو لا. وخلافاً للمنطق , يبدو أن هذه الحقيقة تدفع إلى القلق أكثر من الموقف الذي ساد منذ أحداث 2001.

إن ظاهرة الجهاد بوصفها خاصة بالقاعدة , كتنظيم ذي بنية عالمية, ومهما بدت الفكرة غريبة, كان لها وجه مطمئن . فقد استعملت الإدارة الأمريكية القاعدة إرادياً , باعتبارها المنبع الوحيد للإرهاب , إذا قضي عليه سوف تجفّ بالضرورة كل الأنهر التي يغذّيها. وأما فكرة أن يكون هناك في لندن كما في مدريد وأمستردام _ حيث اغتيل السينمائي" الكافر" ثيو فان كوخ, عام 2003, جماعات غير محددة المعالم, ولكنها منتمية إلى ظروف سياسية واجتماعية محددة, تتصرف بمبادرات ذاتية , فهي فكرة غير مطمئنة على الإطلاق. وأكثر إقلاقاً من فكرة الوثوق بمركز يحمل على عاتقه عذاب القيام برحلات استكشافية عقابية حول العالم.

إن التحدي الحقيقي للسنوات القادمة سوف يكون, بالنسبة لأوروبة بكليتها, هو إيقاف نمو وإصلاح "الخلايا" المتكررة والمعاد توليدها لما يسميه جان- لوك ماريه ( الصناعات الجهادية,PUF, 2005) "رومانتيكتة الإسلام الراديكالي". والتي لا تتلقى توجيهات خارجية , وقادرة على إحداث هجمات ذات أذىً محدود ولكنها غير قابلة للإصلاح. وبما أنها مؤسسة في مجاهل " الأحياء الفقيرة" , ومشكلّة من أعضاء جاؤوا من آفاق كثيرة التنوع , فإن هذه الخلايا لم تعد متعلقة بالمنظومة العالمية ل" القاعدة" - الجماعة المغربية والجزائرية , حركة التكفير والهجرة , الخ- كما كان الحال عليه للشبكات التي كشفت منذ هجمات 2001.

لقد أثبتت عدة دراسات عن الجهادية ( من الجهاد) قامت منذ عام 2001 بأدلة محققة عن وجود ترسانة من الفعاليات والناشطين متنوعة جداً . وتتشكل الجماعات الراديكالية ذات الكمونية العنيفة من المهاجرين من الجيل الثاني والثالث ومن مؤمنين شباب. ويمكن أن نجد أيضاً أكثرية من الأشخاص القادمين من الطبقات المتوسطة ولكنهم متحدين مع أشخاص من طبقات فقيرة ومنبوذة. في الضواحي المختلفة , يلاحظ تصاعد انتشار الأفكار الإسلامية في وسط جماعات لا علاقة لها أصلاً بالرسالات السماوية من نوع : الهنود, الصينيين أو السود.

كل ما يجمع هؤلاء هو شعورهم بأن هجمات 11 أيلول انتقمت لهم من الإحراج الذي يعيشونه في حياتهم اليومية. وبالنسبة للذين كانوا أصلاً مسلمين , فإن بن لادن وأصحابه غسلوا عنهم شعورهم بالخجل الذي يولده فقدانهم لأي مقدرة على الرد على "اعتداءات" العالم الغربي. .يلخص فرحات كوشروكهافار في كتابه ( عندما تتكلم القاعدة) هذه القوة الحالية للجهادية (من الجهاد) : إن أشخاصاً شديدي الاختلاف , ومن أعراق غير متجانسة , ويعيشون في الأركان الأربعة المختلفة من العالم وليس لديهم انتماءات أو ثقافات مشتركة يمكنهم أن ينتموا إلى الشبكة فقط بسبب كرههم المشترك للغرب وشعورهم بالاستفزاز من قبله."

القتال ضد " الكافرين"

تلعب السجون دور المحفّز. إنه مكان تثبيت العقيدة, قيام الصلاة والهداية, بحيث أن المتهمين والمحكومين بأفعال إرهابية يكللون بالغار. فتحت غطاء الرسالة الإيجابية – إعادة الشباب إلى " الطريق القويم" - , يبدأ الواعظون بإلقاء خطبهم المتطرفة والتي تلقى الصدى لدى الأفراد الذين ليس لديهم انتماءات أو سند في الحياة. ويبدو لهم الجهاد في بداية الطريق ليس فقط وسيلة لل"انعتاق " بل أيضاً لإمكانية للخروج من المجهول , من البؤس. والإسلام المتطرف يهب إمكانية التفوق على "المجتمع" والوصول إلى إنشاء بنية – تخيلية – لتجمع إسلامي عالمي ( الأمة) .

ويتطلب الأمر تواجد قائد "كاريزماتي", ووسيط وشبكة لديها اتصالات لإقناع هؤلاء الأشخاص, فور خروجهم من السجن, بأن اللجوء للقوة هو الحل الشرعي ل"معاقبة" العدو. يشير جان- لوك ماريه أن هذه الخلايا المحلية التي, " ستظهر عبر العالم , خلال عدة سنين قادمة", سوف تكون أقل ارتباطاً بمنظمات متجذرة , فضلاً عن القاعدة. وسوف تتمكن من اقتراف عمليات إرهابية , إذا بدا لها الأمر شرعياً , بدون علاقة خارجية وبدون أوامر.

إن الجماعات الصغيرة المرتبطة بصداقات أو علاقات عائلية , المتعلقة بفكرة الجهاد بواسطة الانترنت والمدموغة بالرسالة الدينية , هذه البنى الجديدة تشكل تهديداً أكبر من لو أنها ارتبطت بحزب واحد. والسلاح ضد " الكفار" , يعتبر أيضاً الإرهاب وسيلة لتعذيب كل من لا يساند الفلسطينيين , الأفغان أو الشيشان. إن عولمة المعلومات , والتي تدفع شاب ثائر من أوروبة لمساندة أخيه المظلوم في حربه ضد الغرب ومن أجل الإسلام , هو عامل رئيسي آخر يؤخذ بالاعتبار , كما يؤكد فرحات كوسروكافار.

إن ولادة " الإرهاب المحلّي" يجعل من القاعدة أسطورة أو مرجعية مثالية. وهذه الظاهرة ستهدد بشكل خاص الأقلية المسلمة في أوروبة . إنها ستكون الضحية الرئيسية لبؤر التوتر التي بدأت بالظهور في أماكن مختلفة, وهي بعيدة كل البعد عن الأفكار المتطرفة.