هل ينتقل بعض حلفاء سوريا الى خوض معركة ترحيل حكومة الرئيس فؤاد السنيورة بعدما انتعشوا بكسب معركة بقاء رئيس الجمهورية اميل لحود في منصبه؟

هذا ما بلغ مسامع بعض الوزراء، مع معلومات تفيد ان سوريا لا تريد ان يكون في لبنان حكومة لا ترتاح اليها ولا تنسق معها في اي مجال من المجالات لاسيما في الشؤون الخارجية والامنية والدفاعية كما درج الأمر مع حكومات سابقة في زمن الوصاية الى درجة ان دور وزارة الخارجية كان غائباً لأن سوريا هي التي كانت ترسم السياسة الخارجية ولبنان يطبقها، فكيف والحكومة الحالية اثبتت قدرة لبنان على ممارسة دوره في المؤتمرات العربية والدولية وترجم ذلك في الاستقبال الذي حظي به الرئيس السنيورة والوفد المرافق في الولايات المتحدة وفي مقر الامم المتحدة وعقد جلسة استثنائية سريعة لمجلس الامن من اجل لبنان مما لم يرق سوريا التي ما اعتادت مدى 30 سنة من وصايتها على لبنان ان ترى حكومة تتصرف كما تتصرف حكومة السنيورة تأكيداً لاستعادة لبنان سيادته واستقلاله وقراره الحر.

والسؤال المطروح هو: هل يتمكن حلفاء سوريا في لبنان من ترحيل حكومة السنيورة وكيف؟

لقد بات واضحاً حتى الآن ان هؤلاء الحلفاء سيلجأون مع من يتعاون معهم الى اثارة المسائل المعيشية التي يعاني منها الناس، والى رفض اي زيادة على الرسوم والضرائب، والى تجويف "الورقة الاصلاحية" لئلا تعود صالحة لتحقيق ما هو مطلوب تحقيقه وبحيث لا يعود في الامكان عقد مؤتمر بيروت للدول المانحة، وهذا من شأنه ان يعرض الاوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية لكارثة يحمل حلفاء سوريا الحكومة مسؤولية حصولها.

وسيعتمد حلفاء سوريا على الرئيس لحود لعرقلة اقرار "الورقة الاصلاحية"، على انها تتضمن بنوداً غير مقبولة وان الخلاف في وجهات النظر حول بنود أخرى قد يحول دون انعقاد مؤتمر بيروت واحد، كما حال الخلاف في وجهات النظر دور الوفاء بالالتزامات حيال مؤتمر "باريس – 2".

ومن المتوقع ان تثير "الورقة الاصلاحية" جدلاً حول خصخصة بعض القطاعات العامة وحول زيادة الضرائب على القيمة المضافة وعلى الفوائد المصرفية وعلى رفع الدعم عن البنزين والمازوت ومطالبة البعض بعدم استعجال الاصلاح الاقتصادي قبل الاصلاح السياسي والاداري والقضائي، لأن تحقيق هذا الاصلاح هو المدخل الصحيح للاصلاحات الاقتصادية والمالية، عدا ان اي برنامج للاصلاح حتى وان تضمن علاجات شافية ولا مآخذ عليها، سيخضع للتسييس وستؤدي المماحكات والمشاحنات السياسية والشخصية الى تعطيل اقراره وتنفيذه.

وها ان الرئيس لحود يستبق ذلك بالدعوة الى الاهتمام بحاجات اللبنانيين التربوية والصحية والاجتماعية لأنه "ليس بالسياسة وحدها يمكن معالجة الشؤون الوطنية بل لا بدّ من ايلاء الشؤون الحياتية الاهتمام الذي تستحق وذلك تمهيداً لتقديم ذلك على ما عداه. لكن الحكومة على علم بما يخطط له حلفاء سوريا في لبنان، وهي لن تمكنهم من المتاجرة بهموم الناس وتصويرها على انها غير مهتمة بها، لا بل ان قوى 14 آذار هي التي ستسبقهم الى مطالبة الحكومة بايلاء الخدمات الاجتماعية والشؤون المعيشية الاهتمام الكافي، وعدم فرض ضرائب او اجراء خصخصة واصلاحات في اي حقل من الحقول الا بالتوافق لان هذه الاصلاحات ليست مسؤولية الحكومة وحدها بل مسؤولية الجميع. وعندما يعرض الرئيس السنيورة "الورقة الاصلاحية" على المناقشة سواء في مجلس الوزراء او في مجلس النواب وتتحول الى مشاريع، فان اقرارها هي مسؤولية الجميع ورفضها أيضاً مسؤولية الجميع، ولا مجال للمتاجرة والمزايدة، وان اي حكومة سوف تصطدم بواقع اقتصادي ومالي واجتماعي لا سبيل الى معالجته والتصدي له الا باعتماد الاصلاح الشامل خصوصاً اصلاح اوضاع المؤسسات العامة التي تساهم بنسبة كبيرة في تكريس العجز المالي والاداري وفي زيادة العجز والدين المتراكم وان التمهيد لانعقاد مؤتمر بيروت يجب ان يبدأ بمعالجة الوضع في مؤسسة كهرباء لبنان وفي الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي وفي تأسيس الهيئة الناظمة للاتصالات من اجل تأمين شروط ناجحة للخصخصة. ولا يجوز اتخاذ مواقف سياسية سلبية من معالجات اقتصادية ومالية ايجابية. بل يجب النظر اليها من زاوية علمية وموضوعية وليس من زاوية سياسية او شخصية، وقد نقل عن الرئيس السنيورة قوله انه لن يحمل وحده زجاج المسؤولية عن الوضع الاقتصادي، بل يجب ان يشاركه الجميع

في حمله.

الى ذلك يرى مصدر وزاري ان ليس في الامكان ترحيل الحكومة للاسباب الآتية:1 – ان بين قوى 14 آذار وقوى 8 آذار ما يشبه التوازن السياسي ان لم يكن توازن رعب. فاذا كان قد تعذر على الاكثرية النيابية تنحية الرئيس لحود لان الاقلية استطاعت ان تشكل قوة تعطيل، فان هذه الاقلية سيتعذر عليها ترحيل الحكومة لأن الاكثرية لا تزال تدعم بقاءها. واذا كان ثمة من يهدد بالنزول الى الشارع بحجة الدفاع عن لقمة العيش والاحتجاج على زيادة الرسوم والضرائب، فان الحكومة لن تحدث هذه الزيادة إلا بموافقة الجميع وتوافقهم، واذا كان النزول الى الشارع بات مسموحاً كما يهدد البعض لاسقاط الحكومة، فان قوى 14 آذار ستنزل عندئذ الى الشارع لاسقاط الرئيس لحود، وليتحمل مسؤولية ما يحصل من كان البادئ في الدعوة للنزول الى الشارع.

ان الحكومة في حال قدمت استقالتها طوعاً او أكرهت عليها باستقالة الثلث من اعضائها من اجل تشكيل حكومة جديدة بحجة تمثيل كل الأحزاب والكتل والتيارات، فان الاكثرية سوف تسمي في الاستشارات الرئيس السنيورة لتشكيل حكومة جديدة. حتى اذا كان المقصود بترحيل الحكومة شخص السنيورة بالذات فان اعادة تسميته رئيساً للحكومة العتيدة يفسد على خصومه تحقيق غايتهم.

ان محاولة الاقلية عرقلة تشكيل حكومة جديدة لا يمنع استمرار السنيورة رئيساً لحكومة تصريف اعمال ريثما يتم تشكيلها ذلك ان الدستور لا يحدد مهلة زمنية للرئيس المكلف تشكيل

حكومة.

وذكر المصدر نفسه انه سبق ان واجه الرئيس الياس سركيس تدخلاً سورياً لتغيير حكومة الرئيس شفيق الوزان لانه وافق على وضع جدول زمني لانسحاب القوات السورية من لبنان. لكن الرئيس سركيس ابلغ الى الجانب السوري انه سيعيد تكليف الرئيس الوزان تشكيل الحكومة ويبقى رئيساً لحكومة تصريف الاعمال الى ان يتم التوصل الى اتفاق على تشكيل حكومة جديدة، الامر الذي اضطر سوريا الى التسليم مكرهة ببقاء حكومة الوزان.

ان محاولة حلفاء سوريا استخدام شتى الوسائل السياسية والامنية والاقتصادية لارغام الحكومة على الاستقالة، سوف يجعل قوى 14 آذار ترد باعلان مقاطعتها الاستشارات والمشاركة في الحكومة، واذا تم التوصل رغم كل ذلك، الى تشكيل حكومة ما، فان الاكثرية سوف تحجب الثقة عنها، وعندها تدخل البلاد ازمة حكم لا احد يعرف نتائجها، ويكون حلفاء سوريا ومن معهم مسؤولون عن ذلك.

وفي انتظار نتائج جلسة الحوار بالنسبة الى موضوع مصير الرئيس لحود، فان قوى 14 آذار سوف تواصل العمل محلياً واقليمياً ودولياً على تنحيته وعلى وضع مقررات الحوار التي اتخذت بالاجماع موضع تنفيذ، وستحصن تفعيل تحركها خلال فترة الانتظار لانهاء الوضع الشاذ واخراج لبنان منه بخطة سياسية واقتصادية وامنية تؤمن الصمود والاستعداد للتصدي لكل معرقل تحقيق التغيير الكامل.