بعد عام على انسحاب القوات السورية احتار اللبنانيون في تصنيف موقعهم الراهن والى اين هم ذاهبون فلا شيء تحقق على الارض ولا حقيقة ظهرت ولا حوار وصل الى نتيجة ولا نهاية قريبة للنفق المظلم والسواد الحالك الذي هم فيه غارقون فما حدث خلال هذه السنة هي سدود عليا بنيت بإحكام بين لبنان وسوريا وبين اللبنانيين انفسهم .

الصحف البيروتية أفصحت عن واقع الحال وبالأخص «السفير» التي أسفت لتدهور العلاقات بين البلدين وقالت «التجربة الفريدة بدأت انجازا وانتهت بانتكاسة قومية حيث انتصب جدار الشوفينية عاليا بين بلدين كان شعباهما يتطلعان الى التكامل» لكن صحيفة النهار التي تعمل لتعميق الشرخ لصالح قوى 14 آذار فمازالت تعزف على وتر الضغوط لتقول ان سوريا مازالت تتدخل في لبنان لتبرير فشل «الغالبية الحاكمة» في ادارة شؤون البلد بشكل صحيح وتمرير صفقة «ترسيم الحدود» و«شرعنة» العلاقات الدبلوماسية حسب ما يريد البعض في الداخل والخارج.

صحيفة النهار قالت عبارة مهمة جدا بهذه المناسبة مفادها ان «غالبية اللبنانيين كانت بعد انسحاب القوات السورية مطمئنة وتأمل بالتغيير وبلبنان الجديد .. لكن لم يطل الوقت ليختلط القلق بالاطمئنان» ولكنها لم تقل بدقة ما هو سبب هذا الاختلاط وهذا الفرز والاصطفاف السياسي والطائفي الذي تعزز بعد خروج السوريين وأدخل البلد في حلقة مفرغة يدور الجميع حولها ولا مخرج لها على المدى المنظور.سوريا لم تكن سببا فيما جرى في لبنان خلال العام المنصرم بل على العكس تماما فقد كانت منشغلة في صد الهجمات المتلاحقة التي وجهها اقطاب «انتفاضة الاستقلال» لتوريطها في المسؤولية عن اغتيال رفيق الحريري ممتطين صهوة الضغوط الثقيلة التي قادتها الولايات المتحدة وفرنسا واستمرت صعودا الى حد التلويح باستخدام القوة لكن الحال تغير وتبدل مع انكشاف حقيقة التوليفة الاميركية - الفرنسية الذي نفذها المنتفضون والمحقق الدولي السابق ديتليف ميليس والصورة المغايرة التي تبدد كل الاتهامات السابقة والمنتظر صدورها قريبا بتقرير المحقق سيرج براميرتس.

ماذا تعمل سوريا اذا كان هناك ائتلاف مدعوم يسيطر على قرار لبنان ويأخذه الى حيث يريد الرئيس جورج بوش وغيره في الخارج دون النظر الى رغبات الغالبية التي اصبحت مهمشة ومحاصرة بحجة انتسابها لعهد «الوصاية السورية» .. سوريا تركت لبنان لكنه مازال يلاحقها ليرمي عليها أثقال الماضي والحاضر والمستقبل ايضا ويحملها مسؤولية وتبعات ما يجري الآن من اخفاقات وازمات سياسية واقتصادية ومعيشية.

الواقع ان سوريا لا علاقة لها بكل ما يروج له في آلة الاعلام الضخمة ضدها والمشكلة كما تبدو واضحة في اللبنانيين انفسهم .. في تعدد انتماءاتهم وولاءاتهم وارتباط مصالح البعض منهم بالخارج وقلة حيلة القوى الوطنية الشريفة التي حوصرت في الزاوية وابعدت عن ساحة العمل الوطني.
إن المستقبل القريب سيكشف الحقيقة التي تجاهلها الكثيرون بأن قوى اخرى غير سوريا هي التي افتعلت الاحداث ورسمت تداعياتها وفبركت كل شيء لضرب سوريا عبر لبنان وضرب الاستقرار في هذين البلدين اللذين صارا اليوم بفعل الايدي الاخطبوطية مثل «الاخوة الأعداء