حين توقع رئيس لجنة التحقيق الدولية في اغتيال الرئيس رفيق الحريري سيرج برامرتس في التقرير الذي قدمه في 15 آذار الماضي الى مجلس الامن، تعاوناً سورياً مع التحقيق في شهر نيسان، لم يعتقد احد ان يحصل ذلك الا في الايام الاخيرة منه نظرا الى اسلوب سوريا في استخدام هامش الوقت لمصلحتها حتى اللحظات الاخيرة. لكن استقبال برامرتس في دمشق في 25 نيسان الجاري يتصل، وفق مصادر ديبلوماسية، بانعقاد جلسة مجلس الامن لمناقشة تقرير الامين العام للامم المتحدة كوفي انان عن تنفيذ القرار 1559. اذ رغبت سوريا من خلال هذا الاستقبال القول بانها تتعاون مع لجنة التحقيق المكلفة من الامم المتحدة من جهة، فضلا عن انها تعطي بعض الدول ممن تقف معها او تتفهم موقفها اوراقا قوية للدفاع عنها ازاء مواقف الدول الغربية وتحديدا الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا التي لا تزال على استيائها وانزعاجها الكبيرين من دمشق وسلوكها، من جهة اخرى. وهذا ينسحب على روسيا تحديدا التي كانت الدولة الوحيدة تقريبا التي تحدثت في الجلسة الخاصة لمجلس الامن التي عقدت حول لبنان يوم الجمعة الماضي مستمعة الى عرض شامل من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة ثم الى رد من المندوب السوري، عن ضرورة ترك بت ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا في مزارع شبعا والعلاقات الديبلوماسية الى محادثات تجري بين البلدين. لكن ورقة الوقت اصبحت مستنفدة بالنسبة الى الدول الكبرى المهتمة والتي تحاول بدورها ان تلتف على استخدامها من سوريا. ولذلك فان المواقف التي عبر عنها مندوبو الدول الكبرى في جلسة المناقشة لم تظهر تاثرا بالتعاون السوري بل بالعكس، خصوصا انه تزامن مع الموقف الذي عبر عنه نائب المندوب السوري لدى الامم المتحدة عن رفض اقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان وتحديد مزارع شبعا وعدم مقابلة الايجابية التي عبر عنها رئيس الحكومة السورية وسياسة مد اليد بايجابية مماثلة.

وبحسب المصادر نفسها فان الاطلالات المتجددة لحلفاء سوريا وخصوصا لبعض الاشخاص ممن لا حيثية سياسية او شعبية لهم باستثناء انهم مدينون لها بالمواقع او المراكز السياسية التي شغلوها ابان وجودها الطويل في لبنان انما يصب في اطار عدم استخلاص سوريا اي عبر من الاخطاء التي ارتكبتها في لبنان. اذ ان الكثيرين من هؤلاء كان مجرد ظهورهم الاعلامي يستفز اللبنانيين ويثير العصبية ضدها وهي تكرر اليوم الاسلوب نفسه، علما ان ذلك يعيد تظهير تدخلها في لبنان امام المجتمع الدولي، وهو امر قد يكون مقصودا ومتعمدا. لكنه في الوقت نفسه يدلل على مدى عدم الانفتاح والاستعداد للتغيير او التطوير الذي ينتظر من سوريا في هذا المجال، ليس دوليا فحسب بل عربيا ايضا. وهو امر يناقض الرسالة التي يوجهها التعاون مع المجتمع الدولي التي ارادت توجيهها عبر استقبال برامرتس.

هذا لا يعني بالنسبة الى هذه المصادر ان سوريا لم تسجل مكاسب بالنقاط من خلال بقاء الرئيس اميل لحود في الحكم او عودة بعض حلفائها الى الواجهة السياسية. الا انها لم تنجح مثلا في تحويل زيارة السنيورة للولايات المتحدة موضوع جدل داخليا على ما حاول فعله بعض حلفائها. فـ"حزب الله" الذي كان البعض يتوقع ان يحمل على الزيارة لم يفعل في ضوء الانطباعات التي خرج بها وزير الخارجية فوزي صلوخ من اللقاء مع الرئيس الاميركي جورج بوش، وهي انطباعات ايجابية جدا، والذي اجرى على اثره صلوخ اتصالا برئيس مجلس النواب نبيه بري ووضعه في اجواء اللقاء ثم في الاتصال الذي اجراه معه مساعد الامين العام للحزب الحاج حسين خليل. فالاميركيون اثاروا مواضيع لا يحبذها بعض اللبنانيين والمتعلقة باسماء معينة على لائحة المطلوبين للمثول امام العدالة الاميركية في موضوع طائرة "تي دبليو آي" او تفجير مقر السفارة في بيروت او عماد مغنية والجندي الاميركي الفار من الخدمة العسكرية الاميركية الى لبنان من آل حسون، وهذه مطالب دائمة ومستمرة للادارات الاميركية من لبنان. لكن ذلك لم يحل دون ان يقدم الوفد اللبناني الاجوبة المناسبة للمسؤولين الاميركيين المعنيين بغض النظر عما اذا كانت هذه الاجوبة مناسبة للاميركيين ام لم تكن. وفي اي حال ثمة تفهم جزئي لموقف الحزب الرافض الحوار مع اميركا من منطق "عقائدي"، وهي مسألة خاضعة للنقاش، بدلا من مهاجمة مضمون الزيارة والتي كان يمكن الاعتراض عليها مسبقا في مجلس الوزراء ومقاطعة وزير الخارجية لها، بحيث يظهر اللبنانيون بالنسبة الى الرأي العام في الخارج ديماغوجية قاتلة لا تمييز فيها بين مصلحة لبنان الدولية والاقليمية في مقابل المصالح الآنية الضيقة على المستوى الداخلي.

وبحسب المصادر نفسها ثمة تراجع على المستوى العربي بناء على تدخل من دول مؤثرة ازاء اي تحرك يكون لمصلحة دمشق على حساب لبنان انطلاقا من استسهال عربي في القفز فوق حائط لبنان اكثر من القفز فوق حائط سوريا. وتراجع المبادرات العربية بناء على ذلك لا يسهل الوضع بالنسبة الى لبنان الذي يحتاج الى المساعدة العربية من اجل وضع بنود الحوار موضع التنفيذ لكنه مؤلم ايضا بالنسبة الى سوريا لانه يعيدها الى المزيد من العزلة العربية فضلا عن الدولية القائمة ما دام لا مواضيع بحث معها على اي صعيد اقليمي. يضاف الى ذلك توافر معلومات عن اقتراب عربي اكبر من وجهة نظر لبنان من موضوع مزارع شبعا من اجل اثبات لبنانيتها واستعادتها بالسبل الديبلوماسية الممكنة حتى اذا تعذر ذلك تتحمل دمشق مسؤولية بقاء اي تطور سلبي للامور على هذا الصعيد.