في 26 نيسان 2005, اكتمل الانسحاب السوري من لبنان. وفي 26 نيسان 2006, بات المطلوب انسحاباً لبنانياً من سوريا. أكثرية هنا تطالب بإسقاط النظام هناك. وأكثرية هناك تسعى لإسقاط الأكثرية هنا. وبين هنا وهناك, تضيع مصالح الشعبين «الشقيقين» في حملات التضليل المتبادل, التي حوّلت الحدود إلى سدود, ووحدة المسار والمصير إلى مسارات متناقضة ومصائر متعارضة, والعلاقات المميّزة إلى تمييز عنصري لم يشهده تاريخ البلدين.

لا شك في أن الأخطاء السورية القديمة في لبنان ولّدت الأخطاء اللبنانية الجديدة بحق سوريا.
ولا شك أيضاً في أن تغنّي «عروبيي» الحكم في لبنان بأفضل العلاقات مع سوريا, لا يخفي نشاز حلفائهم من 14 آذار في هجومهم المنظّم على دمشق, الذي لا «تلجمه» وساطة سعودية ولا توقفه مبادرة مصرية.

لقد شكّل حصاد العام الأول على الخروج السوري, خيبة أمل فعلية في لبنان, الذي فشل في اغتنام أول فرصة حقيقية للاستقلال, ولم يظهر قدرة على إدارة شؤونه بنفسه. فـ«حجّة عنجر» سقطت, ولم يغادر الوحي الخارجي مكاتب رجالات الحكم وجلساتهم السرية والعلنية, اذ بقيت كلمة السر, وان تغيّر مصدرها, تقتحم دوائر القرار العاجزة حتى الآن عن إثبات الحد الأدنى من سيادتها وحرّيتها.
يقولون إن «زمن الوصاية السورية ولّى من دون رجعة», لكنّهم رجعوا إليه في تطبيق «قانون غازي كنعان» في انتخابات العام 2005, وفي ابقاء «التمديد» حتى اللحظة الأخيرة بدلاً من تسوية «التقصير» التي تفرض الجنرال عون رئيساً.

إنها شطارة لبنانية قديمة, تقوم على مبدأ بيع المواقف الوطنية العريضة وشراء ما يخدم المصالح الشخصية الضيّقة.

شطارة في الانقلاب والتقلّب حسب العرض والطلب. فحول طاولة الحوار, يتبارى المتحاورون في تبويس اللحى, وفي اليوم التالي يستأنفون حملات «النتف» المتبادل في تصريحات الشتائم وبيانات القدح والذم.

من جهة, يريدون إلزام سوريا عبر القرارات الدولية, بترسيم الحدود وتبادل السفارات. ومن جهة أخرى, يرفضون التزام التهدئة والمهادنة في حملاتهم اليومية ضدها.
«شر الأكثرية ما يضحك». فعجزها أعاد إلى لحود ابتسامته المعهودة, وأخرج ناصر قنديل من «عزلته القسرية»عن الكلام, لتنحصر رهانات التغيير في نتائج التحقيق والحقيقة. لكن ماذا لو طال صمت براميرتس؟