الجملة ذاتها منذ أكثر من خمس سنوات, يُكرر المسؤولون تأكيدها بخصوص الإعلام وغيره, في كل مناسبة كبيرة كانت أم صغيرة على الهامش أم في المتن. الجملة تظهر إلحاح المسؤولين في سوريا على «ضرورة النهوض بالأداء الإعلامي والتركيز على حاجات المواطنين وقضاياهم الأساسية وإعطائها المساهمة الأكبر في عملية الإصلاح والتنمية». ولكثرة ما جرى الحديث عن النهوض, بدا وكأن كل شيء تحسن في بلدنا وليس فقط في مؤسساتنا الإعلامية, لكن النهوض في الواقع وقف على رجل واحدة, ولم يعد يعرف كيف يتقدم أو يجلس دون أن يقع أرضاً على وجهه أو قفاه.

اخيراً سعدنا كالمعتاد بمناقشة اللجان المختصة في مجلس شعبنا العنيد خطة عمل وزارة الإعلام ومؤسساتها, وعلى ذمة وكالة سانا: «أكد أعضاؤها أهمية تطوير الخطاب الاعلامي وضرورة الاستثمار الهادف للمنطقة الإعلامية الحرة واعتماد الحيوية والموضوعية والمرونة فى الخطاب الإعلامي ومشاركة الصحفيين في إبداء الرأي بقانون المطبوعات المزمع اصداره». طبعاً لم تنس «سانا» تأكيد الأعضاء على لازمة «النهوض» الجوهرية. المفارقة أنها تنقل أنباء تطوير الإعلام دون ملل وبمناعة تحسد عليها, فالكلام عن مرونة الخطاب الإعلامي, لا يحرك المسلة في خاصرتها, ويبقي خبرها كما هو مختصراً خال من المفيد, لا تفاصيل ولا خلفيات, فقط الجمل المحفوظة إياها المتعلقة بـ«أكد» و«شدد» و«بحث التعاون والعلاقات المشتركة» و«سبل دفع التعاون والعلاقات» ومثلها إذا كان الحدث يدخل في إطار محليات على نمط و«بحث سبل دفع عملية التطوير والتحديث» و«قام بجولة... وأطلع على واقع العمل... واستمع إلى شرح مفصل».

وهكذا ينزلق خبر عن تطوير الإعلام إلى ركام المحفوظات الإخبارية دون أن يترك حساً ولا أثراً. أما إذ تعين على المعني بالإعلام التنقيب عن الجديد في مناقشة مجلس الشعب لعملية «النهوض بالإعلام» فسوف يكتشف أنها ربما المرة الأولى التي يُحكى فيها عن مشاركة الصحفيين في إبداء الرأي بقانون المطبوعات «المزمع إصداره». حقاً؛ إنه لخبر جدير بالاحتفاء, حتى لو كان محض كلام مثل كلام الناس في أغنية سلطان الطرب «لا بيقدم ولا يأخر», لأن فيه اعترافاً ضمنياً بوجود مجموعة بشرية يطلق عليهم صفة «صحفيين» معنيين أكثر من غيرهم بهذا القانون «المزمع إصداره» منذ أربع سنوات فقط, ويحق لهم الاطلاع على مسودته بعدما بشرهم نقيبهم المزمن صابر فلحوط بانتهاء عمليات وضعها, منذ شهر تقريباً في تصريح صحفي مثير للحنق قال فيه «انه تم الانتهاء من وضع مسودات صيغة قانون الإعلام الجديد» بمعية كل من «اتحاد الصحفيين ووزارة الإعلام وخبراء من الجامعة». وما أثار الحنق هو عدم إعلانه عن إسم واحد من أسماء الشخصيات الخبيرة التي وضعت المسودة. وكل أملنا أن لا يحدث مثلما حدث العام 2001 إذ تبين أن اللجان التي وضعته لم تخرج عن شخصين, قاما على عجل بزيادة الأصفار على أرقام الغرامات الواردة في قانون 1949 , لتصبح الـ150 ليرة, مئة وخمسون ألف , والـ500 ليرة مليوناً وهكذا, فيما بقيت غالبية البنود على حالها تنطبق على الصحافة السورية المأسوف على شبابها قبل ولادة الإعلام الرسمي, حتى قبل ولادة وسائل الإعلام المرئية.

يغدو اليوم وضع قانون للإعلام معضلة سورية بامتياز, يزيدها بللا وبلبلة الحديث عن منطقة إعلامية حرة هي أيضا «مزمع إنشاؤها». ولا يزال الغموض يلف سؤال: ما الحاجة الى منطقة حرة إذا كان القانون سيصدر قريباً! أليس أحدهما يلغي ضرورة وجود الآخر؟ مع أن هذا السؤال طرح غير مرة, ولم يتطوع أحد لغاية الآن بإجابة. كذلك «سانا» لم تخبرنا إذا كانت «اللجان المختصة» ناقشت هذه المسألة أم لا, لتبقى كل أفكار التطوير والتحديث قيد «الإزماع» الدائم, مثلها مثل قانون دمج المؤسسات الصحفية, الذي صدر منذ نحو عام بنصف قانون, سمى رئيس مجلس الإدارة فقط, دون تسمية أعضاء المجلس, مما دفع الوزارة السابقة الى جعل المسؤولين في المؤسسات الصحفية مؤقتين إلى أجل يسميه صدور تتمة القانون, هذا إذا لم يلغ الدمج أساساً, ليبقى كل شيء ناهضاً على قدم وساق بانتظار قدوم الفرج من قرار سياسي يطلق سراح «الإعلام» كي يتمكن من الجلوس ويصبح إعلاماً بمعاييره الدنيا, يمنح الحرية للإعلاميين ليمارسوا عملهم بما يمليه عليهم ضمير المهنة وأدبياتها, لا ضمير العقاب والثواب, قرار يحرر الإعلام السياسي اليومي مكتوباً ومرئياً, ويبذله للجميع دون استثناء, لتختبر القدرات وتختمر التجارب, هذا ما يحتاج اليه الإعلام السوري, ولا يحتاج الى مساعدة من الأمم المتحدة والـ(UNDP) , والتي يقال إنها ستشارك من خلال برنامج لتنمية الإعلام ودوره في سوريا, بالمساهمة في «النهوض» بالواقع الإعلامي السوري, ومعالجة مشاكله من خلال وضع الآليات المناسبة, كما ستباشر تدريب صحفيين ترشحهم مؤسساتهم, وحسب خبر أوردته جريدة «الجمل الالكترونية»: ان(UNDP) خصصت مبلغاً مالياً لدعم المؤسسات الإعلامية الرسمية, وستقوم بدراسة لواقع تلك المؤسسات لتعرف أين يجب أن يصرف هذا المبلغ!!

بالمناسبة, نحن لسنا ضد الإفادة من الأمم المتحدة بل العكس تماماً, لكن كيف نستفيد من هذه المساعدة والجهود المبذولة, ما فائدة العلاجات, إذا كنا نحن لا نرغب في التداوي­ لغرض في نفس يعقوب ­؟ رغم التشخيص الدقيق لعلة ليست في ضعف المهنية بقدر ما هي نقص بالحرية, وهي الدواء المناسب حسب معرفتنا المتواضعة وخبرتنا التي تؤكد أن الشفاء ليس بالمساعدات المالية