للمرة الأولى في تاريخها تختار إسرائيل وزيرا للدفاع ذا خلفية غير عسكرية. إنه لتطور جدير بالترحيب على مسرح الشرق الأوسط الكئيب. فهو يبعث أملا ضعيفا، وربما طوباويا، بأن إسرائيل قد تعيد النظر في علاقاتها مع المنطقة فتختار لغة حسن الجوار بدلا من لغة القوة.

وسيكون لأي تغيير من هذا النوع أثر إيجابي فوري على المواجهة الحالية القابلة للتفجر بين إسرائيل وحركة «حماس» وجمهورية إيران الإسلامية، وذلك بدخول عنصر عقلاني في وضع يهدد بخطر الانفلات من أي تحكم.

فعمير بيرتس الذي تم اختياره لوزارة الدفاع هو يهودي من المغرب هاجرت أسرته إلى إسرائيل عام 1956 حين كان في الرابعة من العمر. ونشأ في مدينة سديروت الصغيرة في جنوب البلاد. وقد أصيب بحادث خلال خدمته العسكرية جعله يستخدم كرسيا متحركا طوال مدة عامين استعاد بعدها القدرة على استخدام ساقيه. ثم أصبح مزارعاً وانتخب رئيساً لبلدية المدينة من عام 1983 إلى عام 1988 وقفز من هذا المنصب إلى رئاسة اتحاد نقابات العمال في إسرائيل «الهستادروت»، الأمر الذي مهد لانطلاقه إلى الاهتمام بالسياسة. وفاز في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي برئاسة حزب العمل وكان هذا الفوز مفاجأة كبرى لخصمه العجوز شمعون بيريز. حزب «العمل» هو اليوم الشريك الرئيسي لحزب «كديما» الذي يقوده رئيس الحكومة المعين إيهود أولمرت.

وخلال المعركة الانتخابية الأخيرة تميز بيرتس بنبرة جديدة أدخلها على السياسة الإسرائيلية بتصريحات جاء فيها : «لقد حان الوقت لإسرائيل أن تكف عن صلافتها نحو العرب فالسلام هو خير ضمانة للأمن». وقوله: «إنني أرى في الاحتلال عملا غير أخلاقي. وأريد إنهاء الاحتلال لا بسبب الضغط الفلسطيني بل لأنني أجد ذلك في مصلحة إسرائيل».

ترى هل تصمد هذه المشاعر أمام أعباء المنصب؟ إن المهمة التي يحتاج فيها بيرتس إلى شجاعة خارقة هي أن يقبض بقوة على زمام الأمور في المؤسسة العسكرية الإسرائيلية المتضخمة التي هي فعلا بمثابة دولة ضمن الدولة تعج بالأموال والأسلحة الأميركية، وشعارها يتلخص في جملة واحدة «العربي الوحيد الجيد هو العربي الميت».

ولقد دأب زعماء إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948 على استخدام «جيش الدفاع الإسرائيلي» كأداة للهيمنة على المنطقة بالقوة. كانت هذه استراتيجية مؤسس الدولة رئيس الحكومة بن غوريون، وظلت كذلك بالنسبة لجميع خلفائه من دون استثناء. وليس هنالك ما يشير إلى أن إيهود أولمرت سيتخلى عنها.

والسؤال الذي يطرح فعلاً هو عما إذا كان عمير بيرتس سيستطيع وهو على رأس وزارة الدفاع القوية أن يوجه إسرائيل نحو سياسة أقل عداء. وهو خلافاً لأسلافه، وخلافا لأي مسؤول كبير في «جيش الدفاع الإسرائيلي» والأجهزة الأمنية المختلفة، لم يلوث يديه بالدماء. واسمه لم يرتبط بأي مجازر أو اغتيالات أو اجتياحات أو غارات مميتة مثل تلك التي تركت آثارها في علاقات إسرائيل مع جيرانها, وهذا ما يمنحه صدقية في نظر العرب والمجتمع الدولي. بقي أن نرى مع ذلك ما إذا كان سيستطيع تغيير نظرية إسرائيل العسكرية باتجاه الاعتدال والإرضاء أم على العكس فإن وزارة الدفاع هي التي ستغيره.

ويمكن التساؤل مثلاً كيف سيعالج بيرتس التحديات الراهنة التي تتمثل في «حماس» وإيران؟ وهل سيكون صوته مسموعاً في حكومة أولمرت؟ وهل سيمكنه أن يطالب باعتماد سياسة الحوار والتفاوض بدلاً من الحرب؟

فإسرائيل حذت حذو أميركا في اتباع سياسة مواجهة عنيفة تجاه «حماس» وإيران. ويكاد رد الفعل يكون غريزياً في كل من واشنطن وتل أبيب بتهديد إيران بضربة عسكرية وفي الوقت نفسه مقاطعة «حماس» وتشجيعها.

وتقول صحيفة «هآرتس» في هذا الصدد إن إسرائيل وأميركا توحدان جهودهما لمنع وصول أي تحويلات مالية لحكومة «حماس»، في حين تقوم واشنطن بوضع خطة لـ «هجوم مالي» على إيران يتضمن استهداف الأرصدة الإيرانية في أوروبا وفي المؤسسات المالية المملوكة من إيران. وقد ذهب ستيوارت ليفي نائب وزير المالية لشؤون الإرهاب والاستخبارات المالية إلى إسرائيل هذا الأسبوع لينسق معها التدابير الاقتصادية ضد إيران و «حماس».

أما الصقور من زعماء إسرائيل فهم يميلون إلى تصفية خصومهم بدلا من منع وصول التحويلات المالية إليهم. وقد طالب شاؤول موفاز وزير الدفاع السابق وداني ياتوم رئيس «الموساد» السابق باغتيال زعماء «حماس». وصرح ياتوم لإذاعة الجيش الإسرائيلي قائلاً: «حتى وزراء حكومة حماس «مستهدفون للاغتيال». هذا في حين طالب عمير أورين الصحافي الشهير في «هآرتس» فريق الاغتيال في «الموساد» بقتل الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي درجوا على وصفه بهتلر جديد.

مثل هذه الآراء من شأنها أن تثير السخط في أي دولة طبيعية وتودي بأصحابها إلى القضاء. وأما في إسرائيل فهي تبدو أمرا عاديا. ولعل السؤال الذي يطرح هنا هو عما إذا كانت هذه المواقف العدوانية مغروسة بعمق في النفوس الإسرائيلية ومن شأنها أن تقاوم أي محاولة لتغييرها.

هنالك بضعة إسرائيليين مثل الناشطة من أجل السلام غالية غولام ووزير العمل السابق شلومو بن عامي، اقترحوا محاورة «حماس» بدلا من محاربتها. ولكن ليس هنالك على حد علمي معلق أو سياسي إسرائيلي واحد حاول أن يفسر قول أحمدي نجاد بأن «مسح إسرائيل من الخارطة» ما هو سوى رد فعل غاضب لمعاملة إسرائيل الوحشية للفلسطينيين وليس مؤشرا على نية حقيقية في تدمير إسرائيل، الأمر الذي يعتبر على كل حال طموحا يفوق الإمكانات الإيرانية.

ولا بد لأي مراقب عاقل لشؤون الشرق الأوسط أن يعترف بأن «حماس» لا تطالب إسرائيل إلا بالتعامل بالمثل: اعترفوا بحقوق الفلسطينيين كي نعترف بكم، أوقفوا عمليات الاغتيال كي نوقف هجماتنا الإرهابية (والواقع أن «حماس» فعلت ذلك خلال فترة الـ15 شهراً الماضية)، أعلنوا استعدادكم للعيش بسلام واحترام الاتفاقات كي نفعل من جانبنا ذلك.

المشكلة في الواقع هي أن إسرائيل غير مستعدة للتعامل مع الفلسطينيين ولا مع أي من جيرانها على أساس المساواة. فهي تريد أن تهيمن وتفرض شروطها معتبرة أن ذلك هو الضمان الوحيد لأمنها. وكذلك الأمر بالنسبة الى إدارة الرئيس جورج بوش التي تفضل الحروب الوقائية والردع والاحتواء. وهي لا تتصور إجراء أي تفاوض على أساس من المساواة مع إيران تبحث فيه مصالح الطرفين بما في ذلك المصالح الأمنية وموقع إيران في منطقة الخليج البالغة الأهمية. فأميركا تريد الإخضاع لا التعاون. ولكن المزاج الحالي في العالم الإسلامي لا يشير الى أن ذلك يمكن أن يتحقق.

هذا في الوقت الذي يتابع العالم بكثير من القلق الروح الأميركية العدوانية. فبعد الكارثة في العراق تبدو الحرب مع إيران أمرا خطيرا جدا يصعب التفكير فيه. ولقد وجّه زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي السابق نداء عاجلاً هذا الأسبوع إلى الإدارة الأميركية يدعوها إلى التفاوض مع إيران. وانضم إليه في هذا النداء أربعة وزراء خارجية سابقين هم مادلين أولبرايت والألماني يوشكا فيشر والفرنسي هوبيرت فيدرين وزملاؤهم الهولندي والبولوني ووزير اللوكسمبورغ (صحيفة «هيرالدتريبيون» 26-4-2006). وقال بريجنسكي «إن أي هجوم على إيران يعتبر «جنوناً سياسياً» ومغامرة متهورة تسيء إساءة بالغة الى المصالح الأميركية على المدى البعيد» ووجه إصبع الاتهام إلى إسرائيل وأنصارها الأميركيين متهما «المصادر نفسها التي دفعت إلى الحرب مع العراق».

ولكن أين للحجج والنداءات أن تكبح الغرائز المولعة بالحرب في واشنطن وتل أبيب. بعض الزعماء لا يعرفون سوى لغة القوة. فهل يستطيع المغربي الصغير المتميز بشارب مثل شارب ستالين أن يتميز عن هؤلاء؟