كيف نربط بين "ديباجة" أيمن الظواهري وفخره بـ 800 عملية استشهادية، وباقي التفاصيل المتناثرة على مساحات المنطقة وكأنها رؤية لا يمكننا الهروب منها، أو تحويل المشهد باتجاه آخر يحملنا إلى نوع جديد من الغد و المستقبل؟!

السؤال يبقى مفتوحا على الاحتمالات المتراكمة لأن القتل العنيف انتقل إلى لبنان، وحتى ولو بقي في حدود واضحة؛ تتجاوز التأثير السياسي المرتقب لها. فالاغتيال السياسي في لبنان ليس صورة منفصلة لكنه أبعد تأثيرا من "فخر" الظواهري بإرهابه الخاص. فهو اكتمال التعبير عن انفجار الظواهر المحبوسة داخل الإحباط العام ... وربما في قلب التاريخ الذي أوجدنا في حالة مأزومة ثم دفعنا أنفسنا نحو عمق التحدي. فعندما يخرج "الظاهري" من قلب الحدث فلأنه يجد ما يستطيع أن يتعامل معه من دعوات تبشيرية، وحملات إعلامية تصاعدت بعد الحادي عشر من أيلول.

"سورية الغد" و "أبيض وأسود" دعت الكاتب يورجن كاين كولبه إلى دمشق للحديث عن كتابه حول "جريمة اغتيال الحريري". وفي خلفية هذه الدعوة نوع من ارتباط الحدث، لأن اهتمام يورجن أساسا كان منصبا على طبيعة "المحافظين الجدد" وعلى السياسة الدولية التي تشعل الأزمات وسط حملة إعلامية بأن "العالم أصبح أكثر أمنا" ... لكن السؤال ليس فقط في جريمة اغتيال الحريري ولا في وجهة نظر "يورجن" حول طبيعة التحقيق الذي قام به ميليس، بل هو أيضا في المناخ السياسي الذي يسود ليصبح سير الحدث شأنا خارجا عن المألوف. فما حدث في العراق ليس فقط قدرة "الزرقاوي" أو "الظواهري" على دفع "800" شخص ليستشهدوا أو يزرعوا الدمار في قلب العراق، بل أيضا في طبيعة سياسية لا تحرض فقط على ظهور الاستشهاديين بل تقدم لهم "الصراع" الذي يمكن أن يخوضوه.

بالنفس الصورة حدثت الاغتيالات في لبنان، لأن المناخ السياسي تم خلقه بشكل سريع، والاغتيال لا يمكن فصله عن الصورة الكاملة لسياسة "صنع الأزمات" .... وإذا كان "التحقيق" جنائيا فإن ما نستطيع القيام به هو التعامل مع الأجواء الثقافية التي انتشرت بشكل سريع بعد حملة مكافحة الإرهاب التي تعتبر امتدادا طبيعيا لسياسة نشأت عمليا خلال إدارة "ريغن" التي أشبعتنا بالتطرف، وانقلبت المعادلة في المنطقة نحو مساحات جديدة من الصراع ... فظهر الأفغان العرب كأول نتيجة ولا حاجة للعودة كثيرا للوراء لأننا نعيش يوما بيوم هذا الموضوع.

يورجن كاين كولبه يستعيد كل الاحتمالات في اغتيال الحريري، وفي نفس الوقت فإن الصورة الفكرية الأساسية هي أن التحقيق في الاغتيال لا يعفينا من القراء الجادة لمستقبل يتطور اليوم على صور التطرف من الجهاديين إلى المحافظين الجدد.