الغد

"ميليس" قرر الوقوف على حدوده الخاصة ... و "يورجن كاين كولبه" أيضا فضل الدخول إلى دمشق لتوضيح وجهة نظر غابت عاما كاملا خلف البريق السياسي لحملات مازالت مستمرة رغم انزياح الضوء عنها. أما القصة الحقيقية للرجلين فهي أمر آخر رغم انهما ينتميان لسياق واحد ربما في المهنة أو الجنسية.

والمسألة ليست اقتناعا بوجهة نظر أو ميل سياسي لتسليط الضوء على شخص دون آخر، لكن "سورية الغد" و "أبيض وأسود" قررتا التعامل مع كتاب يورجن لأن من حق المجتمع عدم الوقوف على حدود القلق، أو حتى مقاومة عنف الصورة التي نقلتها التصريحات السياسية والقوة الإعلامية للحملات التي خاضتها وسائل الإعلام بكامل طاقتها.

استضافة يورجن كاين كولبه من قبل "سورية الغد" و "أبيض وأسود" هي محاولة بسيط لإعطاء طابع آخر لرؤية الحدث لأن الأمر لن يقتصر على محاضرة لشرح ما جاء في الكتاب أو طرح الأسئلة حول موقف الكاتب، بل أيضا سعي لتشكيل مساحة جديدة بين الكاتب والطرف الذي عاش على قلق وسائل الإعلام والتصريحات، وانتظر بترقب مسار التحقيق الذي كانت ترتفع وتيرته وتنخفض دون الوصول إلى فسحة تعبر بالفعل عن رغبة في المعرفة أو "الحقيقة".

المسألة بأكملها هي نقل التعامل من الساحة السياسية إلى مجال الرأي العام الذي حفظ تقرير ميلس عن ظهر قلب، وهو يحتاج بالفعل إلى وجهة نظر أخرى قادرة على فتح مجالات تفكير جديد، ليس فقط بجريمة الاغتيال بل أيضا بحجم الغطاء السياسي الذي يضغط على المجتمع ويستطيع أن يضع كافة المسائل تحت عباءته. فما حدث قبل عام شأن سيبقى عالقا بالذاكرة ومن الضروري أن لا يبقى مزروعا بالشك والارتياب والقدرة على اتهام الآخرين ومحاكمتهم دون التفكير بأن ما حدث على بشاعته وأغراضه السياسية هو في النهاية طال الجميع وليس مجموعة أو عدد محدود من الأفراد.

"سورية الغد" و "أبيض وأسود" لا تطرح دعوة فقط للاستماع والحوار مع يورجن كاين كولبه بل أيضا فعل مشترك يجمع المجتمع السوري بقلق عام منذ اللحظة التي عام بها العالم على رؤية واحدة في التفكير فأصبحت حتى "الديمقراطية" مشحونة بصور القاتمة للحروب والموت و "الفوضى البناءة"