البرادعــي لمجــلــس الأمــن: طهــران لــم تــتــعــاون

النهار

كما كان متوقعاً، جاء تقرير المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ليسجل عدم التزام إيران وقف تخصيب الأورانيوم، ويؤكد نجاحها في هذه العملية وحصولها على كميات من البلوتونيوم من الخارج. وأشار الى ان الغموض لا يزال يكتنف الكثير من جوانب البرنامج النووي الايراني نتيجة عدم تعاون طهران. وفتح التقرير الباب واسعاً أمام سيل من المواقف الدولية التي كانت في معظمها استمراراً لما كان الأطراف المعنيون بالملف أعلنوه قبل صدور التقرير. وتحدث الرئيس الأميركي جورج بوش عن انطلاق "العملية الديبلوماسية" التي قد تشهد الأسبوع المقبل صدور قرار عن مجلس الأمن يحض إيران على التخلي عن تخصيب

الأورانيوم، بينما فضلت موسكو عدم اتخاذ موقف قبل دراسة "متأنية" للتقرير لأنه وثيقة "جدية جداً"، وعارضت بيجينغ اللجوء الى الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة. واعتبرت طهران ان التقرير غير سلبي، وكان الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد استبقه بالقول ان بلاده لا تعيره أي اهمية وانها ستغير طريقة تعاملها مع الوكالة.

وافاد التقرير الذي يقع في ثماني صفحات والذي تسلمه أعضاء مجلس الامن ان إيران واصلت صد جهود الوكالة للحصول على اجوبة ومعلومات محددة عن الشكوك المحيطة بالملف النووي الإيراني. وقال: "بعد أكثر من ثلاث سنوات من جهود الوكالة لتوضيح كل جوانب البرنامج النووي الإيراني، لا تزال النواقص الحالية في المعرفة تثير قلقا"، ذلك ان "اي تقدم في هذا المجال يتطلب الشفافية الكاملة والتعاون الفاعل من ايران"، ولكن "لا تزال ثمة ثغرات في معلومات الوكالة عن حجم برنامج ايران لاجهزة الطرد المركزي".

واكد التقرير عدم التزام ايران بمهلة الايام الـ30 التي منحها إياها مجلس الأمن لتعليق كل النشاطات المتعلقة بالتخصيب لأنها يمكن ان تؤدي إلى إنتاج أورانيوم عالي التخصيب يستخدم في الرؤوس النووية. كذلك لم تتعاون إيران تماما مع مفتشي الوكالة لتحديد ما اذا كان برنامجها النووي سلمياً ام عسكرياً. وقال التقرير ان إعلان ايران تخصيب الأورانيوم بمستوى 3,6 في المئة "صحيح على الأرجح"، وان تحويل الأورانيوم "لا يزال مستمراً"، ويعتقد ان هناك 120 طناً حولت في الأشهر الأخيرة، وهذه الكمية كافية لإنتاج 15 قنبلة نووية. وكذلك "لا تستطيع الوكالة استبعاد احتمال ان البلوتونيوم الذي حلله خبراؤها جاء من مصادر أخرى غير تلك التي أعلنتها إيران" أي التجارب المحلية، وهذا يعني أن مصدره كان من الخارج. والبلوتونيوم يدخل في صنع أسلحة نووية.

واضاف التقرير ان "ايران ستقدم جدولاً زمنياً خلال ثلاثة اسابيع اذا ما ظل الملف الايراني كاملا في اطار الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخاضعا لقوانينها"، في إشارة إلى عدم تدخل مجلس الأمن.

واشنطن

وعلق بوش على التقرير بأن "رغبة ايران في امتلاك أسلحة نووية خطيرة"، وأن "من المهم جداً ان يفهم الايرانيون ان هناك رغبة مشتركة لدى الكثير من دول العالم في اقناعهم، في اقناعهم سلمياً، بأن عليهم التخلي عن تطلعاتهم الى امتلاك اسلحة"، لأن "العالم متحد وقلق ليس فقط حيال رغبة الإيرانيين في امتلاك سلاح نووي، بل قدرتهم على إنتاج سلاح نووي، أو معرفتهم بإنتاج سلاح نووي". ومع ذلك أعلن ان "العملية الديبلوماسية بدأت للتو"، علما ان "تعنت الحكومة الايرانية غير مقبول". وسئل هل احمدي نجاد رجل يمكنه العمل معه، فأجاب بأن الامر يعود "في النهاية" الى الرئيس الايراني، علما انه وصفه مرة بانه "غريب الاطوار". واقر بان الوضع في ايران مختلف عما كان سائدا في العراق.

وفي وقت سابق كرر بعد استقباله الرئيس الاذري الهام علييف "رغبتي في حل هذه المشكلة ديبلوماسيا وسلميا".

واعلن البيت الابيض ان بوش بحث في الملف الايراني هاتفيا مع المستشارة الالمانية انغيلا ميركل التي ستزور واشنطن الاسبوع المقبل.

وكان كلان المندوب الاميركي الدائم لدى الامم المتحدة السفير جون بولتون اكثر تحديدا من حيث نوع التحرك الاميركي المقبل. وقال ان مجلس الامن سيدرس مشروع قرار الاسبوع المقبل بموجب الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة، للنظر في "تحول الواجبات التي تنص عليها قرارات الوكالة الدولية للطاقة الذرية والتي صدرت في شأن ايران قرارات الزامية". واضاف: "ندعو الى تفعيل الاحكام الالزامية من الفصل السابع، وهذا القرار في ذاته لن يملي اتخاذ اي قرار مستقبلي" في مجلس الامن. واشار الى ان ذلك "يعيد الكرة الى الملعب الايراني، ويعود اليهم التزام واجباتهم".

وسئل هل يتضمن القرار المقترح مهلة نهائية لالتزام ايران المطالب الدولية، فتحدث عن مناقشة "منح مهلة قصيرة جدا لالتزام القرار". وكرر ان لا خلاف بين واشنطن والشعب الايراني، وان الولايات المتحدة تسعى الى افهام الايرانيين ان سعي حكومتهم الى الحصول على اسلحة نووية لا يصب في مصلحتهم الوطنية. وخلص الى ان "ايران تملك مفتاح هذه المسألة ويمكنها ان تحول دون اتخاذ المجلس خطوات اضافية اذا ما تخلت عن سعيها الى امتلاك اسلحة نووية كما فعلت دول اخرى".

وفي صوفيا حصلت وزيرة الخارجية الاميركية كوندوليزا رايس على دعم واسع من نظرائها في حلف شمال الاطلسي لاتباع الديبلوماسية المتشددة مع ايران، ولكن من دون الحديث عن عقوبات.

موسكو وبيجينغ

وفي المقابل، صرح نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي كيسلياك بان موسكو ستدرس تقرير البرادعي "بتأن من اجل تحديد موقفنا وتحديد التحركات المقبلة الممكنة لتسوية المسائل المتعلقة بالمسألة النووية الايرانية". وقال انه "من السابق لاوانه في الوقت الحاضر التعليق على التقرير، انه وثيقة جدية جدا".

عارض المندوب الصيني لدى الامم المتحدة وانغ غوانغيا الذي يرأس مجلس الامن هذا الشهر، تفعيل الفصل السابع. وقال: "كل ما نريده هو العمل لإقرار حل ديبلوماسي لان هذه المنطقة معقدة فعلا. الفصل السابع سيجعل الامور اكثر تعقيدا والانعكاسات ستقود الاحداث في اتجاه غير مؤكد... كلنا يعلم ما هو الفصل السابع (الذي يجيز استخدام القوة)، ومن الواضح ان هذا لن يكون نهاية القرارات بل سيكون البداية في سلسلة من القرارات. وايا يكن ما نفعله، علينا ان ندعو الى الديبلوماسية".

لندن وباريس

وفي لندن، قال وزير الخارجية البريطانية جاك سترو ان بلاده ستطلب من مجلس الامن "زيادة الضغوط على ايران ليحصل المجتمع الدولي على ضمان ان برنامجها النووي لا يمثل تهديدا للسلام والامن"، ذلك ان "عدم تعاون النظام الايراني تماما مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومع مجلس الامن يعتبر امرا خطيرا جدا.

وقال وزير الخارجية الفرنسية فيليب دوست – بلازي ان "تقرير البرادعي يلاحظ ويا للاسف ان ايران لم تكتف بعدم استجابة هذا الطلب المنطقي (بتعليق النشاطات النووية الحساسة) فحسب، بل عجلت في المقابل في برنامجها للتخصيب". واضاف: "اننا امام وضع مقلق يطاول كل المجتمع الدولي، مع اننا لا نزال نقول لايران ان باب التفاوض لم يقفل".

طهران

وعلى رغم كل الانتقادات التي تضمنها التقرير، رأى نائب رئيس الوكالة الايرانية للطاقة الذرية محمد سعيدي انه لا يتضمن "نقاطا سلبية"، بل يوضح ان "الوكالة لا تزال لديها سلطة مراجعة القضية النووية لايران، بينما الطريق الاخر الذي ترغب دول اخرى في سلوكه من اجل درس القضية في مكان آخر، هو طريق سيئ"، في اشارة الى مجلس الامن. اما "القضايا الباقية فليست رئيسية. اعربنا عن استعدادنا للرد على الاسئلة". واضاف ان "اهم شيء هو ان المسألة النووية لايران ينبغي حسمها من طريق المحادثات"، مؤكدا ما ورد في التقرير عن استعداد ايران "للعمل مع مفتشي الوكالة خلال الاسابيع الثلاثة المقبلة لوضع جدول زمني لحل المشاكل شرط ان يبقى الملف في الوكالة الدولية للطاقة الذرية".

وقبل ذلك هدد احمدي نجاد بـ"تغيير كامل لطريقة (طهران) في التعاون" مع الوكالة الدولية اذا استخدمت قواعد عملها "ضدنا". وقال ان القوى "المعادية لتقدم ايران تعتقد انها بالقيام بالدعاية والحرب النفسية، وباستخدام منطق القوة والتهديد والادلاء بتصريحات، تستطيع النيل من تصميمنا، لكن الشعب الايراني لن يرضخ ابدا للضغوط. نقول لاولئك الذين يريدون حرمان الايرانيين الحصول على حقهم ان يدركوا اننا لا نأبه لمثل هذه القرارات. لن نتراجع قيد انملة". وشدد على ان بلاده" ستصير سريعا قوة عظمى... شاء الاعداء ام أبوا".

ودعا الرئيس السابق علي اكبر هاشمي رفسنجاني الذي يرأس مجلس تشخيص مصلحة النظام المجتمع الدولي الى العودة الى طاولة الحوار مع طهران.