لا اريد ان انضم الى «جوقة الندابين» او المحبطين, لكن كل شيء على امتداد المساحة العربية بين الرباط وطهران, يوحي بأن الدولة العربية كمؤسسة, مع بعض الفوارق بين بلد وآخر, تعيش مشكلة واحدة تقريباً هي تذمّر الناس.

الشعور بعدم الرضى هو الحالة الثابتة والقاسم المشترك بين المجتمعات العربية مشرقاً ومغرباً, وهو الدليل الوحيد ربما على ان العرب ينتمون الى جغرافيا واحدة وتاريخ واحد وثقافة واحدة.
في غياب هذا «الدليل» يعيش العرب عجزاً تاريخياً يتراكم قرناً بعد قرن, يزيد في وطأته البعد الديني المذهبي المخيف الذي يحتل مواقع مؤثرة في القرار العربي, وهي مواقع تعززت بعد غزو العراق.
ظاهرة اخرى تغرز ايضاً انيابها في النسيج الاجتماعي العربي, خصوصاً على مستوى القيادة, هي الاستقواء بالخارج, وهو استقواء له ما يبرره في معظم الأنظمة العربية التي تخاف شعوبها بقدر ما تخاف الحقيقة.

الانظمة العربية, في مجملها, تعالج المشاكل الاقتصادية والتنموية والسياسية معالجة أمنية, بالرغم من ان التجربة أسقطت هذا النوع من المعالجات. الحاكم يحاصر المعارضين على قاعدة انه لا يخطئ ابداً, بالرغم من انه يخطئ كثيراً كل من يعتقد انه معصوم من الخطأ.
والثابت ان «الحل الأمني» هو التعبير الأكثر صراحة عن فشل الحاكم العربي في الاصلاح وفي التطوير وفي الاستجابة لتطلعات شعبه, في السباق الى المستقبل.
لماذا هذا الكلام؟

ببساطة لأن مجرد المقارنة بين السلوك العربي وسلوك الآخرين في ادارة شؤون الناس, يقود الى ما يشبه الصدمة. ولنأخذ مثلاً: في العام 2005 أنفقت سويسرا حوالى 3 بالمئة من الناتج القومي الخام على البحث العلمي. هذا الإنفاق الذي يتجاوز العشرة مليارات دولار في السنة انفاق على رأسمال متجدد كلما تم تأهيله كلما حافظ على كفاءته وتفوقه, وعلى مكانته في العالم.

وسويسرا المتفوقة في مجال الادوية والكيميائيات والتقنيات الدقيقة والمكننة, بلد تصعب منافسته في هذه الحقول, بالمقارنة مع دول اميركا واوروبا وآسيا المتقدمة. ثم ان الصندوق الوطني السويسري للبحث العلمي يعتبر زيادة المبالغ المخصصة للاساتذة الجامعيين والباحثين, اساسية جداً لمنع هجرة الادمغة السويسرية الى الخارج.

أين العرب؟
بعد اكثر من نصف قرن على الاستقلالات العربية, وفي زمن الشح كما في زمن الطفرة, لا تزال الموازنات المخصصة للبحث العلمي محدودة جداً إن لم نقل هزيلة. متوسط الإنفاق العام على البحث العلمي في العالم, غنياً وفقيراً, يصل الى 1.62 بالمئة من الدخل القومي, وهو في العالم العربي يتراوح بين 0.2 و0.5 بالمئة.

والمفارقة ان متوسط الدخل الفردي في عدد من الدول العربية يفوق المتوسط نفسه في عدد من البلدان الاوروبية والآسيوية لكن الجهد التنموي التكنولوجي العربي يحتل بجدارة المراتب الأدنى.
وبلغة الرقم نقول إن انفاق الولايات المتحدة الاميركية واليابان والاتحاد الاوروبي على البحث والتطوير يقارب الـ450 مليار دولار في السنة, اي ثلاثة ارباع ما يصرفه العالم تقريباً, في حين تنفق دول العالم المتبقية الربع الأخير, مع استثناءين اثنين هما الصين وكوريا الجنوبية, بصورة خاصة في مجال الالكترونيات وعلوم البحار والمحيطات وتقنية البيئة وتقنية المعلومات وعلوم الفضاء والطيران, وهذا ما يفسر الى حد بعيد ظاهرة العملقة الجديدة في آسيا البعيدة.

ومن دون ان نسترسل في المقارنات اقول إن الوضع العربي وضع يخيف.
نحن أسخياء في مجالات كثيرة لكننا نهمل المجال الاساسي الذي يسمح لنا بأن نجد موقعنا في العالم المعاصر.
نعيش خارج الزمن, ومن الطبيعي ان يتعامل معنا الآخرون على هذا الاساس.
كلنا في خدمة الحاكم وننسى اننا قادرون على التفوق.
نحن مهزومون سلفاً حتى اشعار آخر.

و«الاشعار الآخر» يبدأ عندما ندرك اننا قادرون على التحدي وعلى الانتصار, ولسنا ­ كما يراد لنا ان نكون ­ قطعان غنم يقودونها الى المسلخ.
إن توطين وانتاج التكنولوجيا في العالم العربي, في المختبر والجامعة وصولاً الاستثمار في المجال العلمي, بات اكثر من قضية مصيرية.
من هنا يجب ان نبدأ... وإلا بقينا في ذيل القافلة.