فمنذ اللحظة التي تطاير فيها أشلاء الهدوء بدا واضحا أن التكوين السياسي للمنطقة كلها يعيش على مساحة المجهول، بينما يبقى الرهان على مستقبل لـ"شرق أوسط كبير" لا يعرف أحد ملامحه أو حتى ما يمكن أن يقدمه سوى الصور القادمة من مرحلة ما بعد احتلال العراق. وعندما بدت جريمة اغتيال الحريري كنقطة فاصلة كان التحرك السياسي يقوم أساسا على حملة إعلامية، وربما كان من الصعب التوقف عند حدود التسارع الذي حاول تطويق أي حركة تدفع باتجاه التعقل، فالمسألة ظهرت وكأن "انقلاب" التاريخ ممكن. لكن الحملات الإعلامية تقف أحيانا عند بعض الحدود. فعام على الجريمة لم يغير المعطيات لكنه كان قادرا على فرز أصوات جديدة.

عمليا فإن التعامل مع كتاب يورجن كاين كولبه لا تنفصل عن الحدث في المنطقة كلها. وهو شأن ليس مرتبطا بالضرورة بجريمة اغتيال الحريري. وما نواجهه هو إشارة استفهام أساسية: هل تغير بعض المعطيات من طبيعة السياسة وتعطي أولويات جديدة؟ ما حصل ليس حدثا بالمعنى الحقيقي، فإذا اختلفنا أو اتفقنا مع ما كتبة يورجن كاين كولبه لكنه في النهاية تحول في زاوية النظر إلى المسألة، أو اعتبار لا يحقق هدفا سياسيا بقدر كونه خط داخل الرسم الذي بدا وكأنه يريد إضفاء لون واحد، وسمة واحدة على مرحلة تريد دفن كل ما سبقها رغم اعتمادها على نفس الشخصيات.

سنسمع الكثير من الجدل حول مسألة "المؤامرة" ... وأن يورجن كاين كولبه يرسم رأيه على سياق المؤامرة ... ولكن السؤال هل ما نسج سابقا لا يمكن أن يدرج في إطار التفكير المحصور فقط في "تفكير المؤامرة" ... ألم يظهر سيناريو الاغتيال وكأنه "مؤامرة" مرسومة من عصر المماليك!!! إن الخطوط الفاصلة اليوم تبدو واهية لأن الخلفية "السياسية" أقوى حتى من "الحقيقة" أو الرغبة في الهدوء والاتزان، لذلك من محاضرة يورجن كاين كولبه هي أكثر من تعبير عن وجهة نظر ... إنه اعتراض على رسم "الحملات الإعلامية" على قياس "الفوضى البناء" ... وربما اكتمال لظهور صوت يحاول أن يرى جديدا في المسألة. أو يكتب نوعا من المخالفة لتيار لم يعد يقتنع بأن "الديمقراطية" تعدد وليس حملة إعلامية على سياق واحد.