لا أدري ما إذا كان بعض النظام السياسي العربي يشعر بتهديد لبقائه من سياسة جورج بوش الشرق أوسطية... أم أنه مدين لها باستمراره في السلطة حتى الآن!

نعرف أن ثمة جذوراً «أصولية» لليمين المسيحي الذي كان وراء وصول الرئيس بوش إلى البيت الأبيض ومكوثه فيه حتى الساعة. وكذلك من المؤكد أن ثمة عقولا «أصولية» يهودية نجحت في استغلال المغامرة «الأصولية» الإسلامية يوم 11 سبتمبر (أيلول) 2001 ـ كما نجحت من قبل في ترويج مقولة «القيم اليهودية المسيحية» المشتركة ـ لبناء سياسة أميركية راديكالية في منطقة الشرق الأوسط... تتكلم صراحة عن تغيير الخرائط وتحطيم الكيانات وإعادة صياغة الثقافات وبرامج التعليم ومنظومات القيم.

أنا أعتقد بأن كل ما سبق، صحيح ولا ينكره إلا مكابر. ولكن هل تنتهي مآسينا عند هذا الحد؟

هل يريحنا وجود سياسة خارجية اميركية أو غربية عدوانية من مسؤولية التفتيش عن التقصير في تفكيرنا السياسي وممارساتنا السياسية؟

المواطن العربي المسكين، من المحيط إلى الخليج، يبدو محبطاً وتائهاً وخائب الأمل وسط الصراخ المتبادل بين معسكر «الصمود والممانعة» بوطنييه ومنافقيه... ومعسكر الدفاع المستميت عن الغرب عن حق أو عن باطل.

ومع إيماني بقول رسول الله (ص) «كما تكونون يولى عليكم»، اعترف بأنني ممن يعتقدون بأن كل إنسان في كل جزء من أجزاء عالمنا العربي يستحق ما هو أفضل مما يعيش في ظله اليوم. وأحسب أن أهل السلطة الذين يدعون انهم يجسدون الوطن بماضيه وحاضره ومستقبله، إنما يحمٌلون مواطنيهم أوزاراً ثقيلة ناجمة عن أخطائهم وسوء ممارساتهم.

قبل أيام لفتني صديق إلى أمر طريف... ومقلق في آن.

فقد أبلغني أنه بينما كان يجول على شبكة الإنترنت، توقف عند موقع إحدى كبريات الجامعات في دولة عربية علاقتها إشكالية مع القوى الغربية. وحانت منه نظرة فاحصة إلى كلية العلوم السياسية في موقع تلك الجامعة، فاكتشف أن في أقسام الكلية الثلاثة نحو 25 استاذاً ومدرساً من مختلف الرتب، وأن واحداً من هؤلاء فقط تلقى دراسته العليا في الولايات المتحدة، وواحداً فقط تلقى دراسته في فرنسا، أما الـ 22 الآخرون فحصلوا على شهاداتهم من جامعات دول أوروبا الشرقية في مرحلة ما قبل سقوط «جدار برلين».

أنا هنا لا أسعى إلى القول ان كل ما تقدمه جامعات الغرب ممتاز، ولا أن كل جامعات أوروبا الشرقية سيئة المستوى، لكنني أتساءل... هل يتاح ـ أو أتيح ـ لهؤلاء الأكاديميين «الشرقيين» معرفة الغرب الذي يسيطر وسيسيطر حتى إشعار آخر على مقدرات البشرية؟.

هل يفهم هؤلاء نمط التفكير المصلحي للدوائر السياسية الغربية، وأسلوب عملها، والآليات التي تعتمدها مؤسسات اتخاذ القرار فيها؟ هل يعرف هؤلاء كيف تعمل مراكز الأبحاث، ومن يمولها، وكيف توصل تصوراتها وتوصياتها إلى مواقع اتخاذ القرار؟ هل قيّض لهؤلاء، ويقيض لهم حالياً في هذا المرحلة الصعبة، أن يتابعوا المطبوعات السياسية الغربية ذات الاهتمامات المعمقة، ويشاركوا في ندوات جنباً إلى جنب مع أكاديميين آخرين على اطلاع عليها واتصال دائم بها؟

وأخيرا، إذا كانت الإجابات على التساؤلات السابقة بـ«نعم»، أسأل هل يتمتع هؤلاء الأكاديميون بالقدر اللازم من الحرية لقول ما يرونه مناسباً لطلبتهم وقراء مقالاتهم ومتابعي تحليلاتهم في الإعلام المرئي والمسموع؟

شخصياً، من واقع ما أراه وما أسمعه، أشك كثيراً في ما إذا كانت الصورة الحقيقية تصل واضحة إلى المواطن لما يحصل «من فوقه»، وحوله، وخارج حدوده.

أكثر من هذا، أعتقد أن أنظمة حكم من هذا النوع أنظمة مفلسة سياسياً وأخلاقياً، وهي كانت ستواجه صعوبات أكبر في تبرير فشلها وسياساتها الخاطئة أمام شعوبها وعلى حساب شعوبها لو كانت مجتمعاتها تعيش بصورة طبيعية من دون حصار أو ضغط أجنبي معاد. وطبعاً بعيداً عن سياسات غربية تفتقر في معظم الأحيان إلى الصدقية ... حتى ليصعب الدفاع عنها.