هذا المقال يمكن اعتباره بمثابة الرسالة، ولنقل الكتاب المفتوح الى الاستاذ نبيه بري، اتكالاً لا على سعة صدره فحسب، بل على انفتاحه الفكري... والرسالة تتوجه اليه بصفته رئيس السلطة التشريعية المجسّدة للارادة الشعبية بموجب الدستور، ثم بصفته "مبتكر" لجنة الحوار الوطني، ونظام ادارة طاولتها المستديرة والمؤتمن في النهاية – ولو لم نصارحه جميعا بذلك (ثقة منا بأنه بذلك أدرى!) – على مساهمة الحوار في اخراج لبنان مما سمّي في "جدول الاعمال" أزمة الحكم المتمثلة في أزمة الرئاسة غير المعترف بشرعية تمديدها.

اما بعد، فماذا منا في الرسالة؟

نوضح بادئ بدء، ولا نخالنا نبوح بأسرار من المناقشات لم "ترشح" او لم يجر "تسريبها" (والكلمتان صار تداولهما من الامور الطبيعية المقبولة...).

نوضح ان الدافع الى اللجوء الى المخاطبة هو حال الاحباط الذي انتهت اليه الجلسة الأخيرة، بدليل قلة الحماسة لتعيين جلسة لاحقة بالسرعة المعهودة... ولا نقول التسرع لأن العجلة كانت دائما يرافقها التأني.

والاحباط كان مرده الى أمور عدة ويمكن إيجازها بان اللجنة أوقعت نفسها – او ثمة من تعمّد ايقاعها – في لعبة "الترشيحات" الرئاسية كمقاربة ممكنة وحيدة للخروج من درس ازمة الحكم بآلية عملية لم نكن، ولا كانت الرئاسة (رئاسة الحوار) قد هيأت لها... بينما الرئاسة "الاخرى" كانت قد سبقت المتحاورين (واستسبقت بعضهم، وبسهولة مقلقة!) الى خلق الاجواء السلبية بل التهويلية واطلاق مجموعة الغام كثيرة الشر، ولو كانت قليلة الذكاء... مما جعلها ذات فاعلية لا يمكن انكارها.

واخشى ما نخشاه – ومن هنا ضرورة الخروج من المأزق بتجاوز "اللعبة الشريرة" – هو احتمال غرق الحوار ومقرراته "الاجماعية" (ولو تحفظ "المتحفظون") الايجابية في "ملهاة" الترشيحات التي ستسربل كل شيء وتزيد تعقيد ازمة الحكم والرئاسة على حد سواء.

ولعل هذا ما يريده الذين هرولوا جزعا – جزعا من ايجابية الحوار – الى استرجاع "إبطال" الكوميديا – التراجيدية التي سبقت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، واطلاقهم في ساحات الكلام التحريضي من جديد وكأنما في الامر ما يشبه "استدعاء الارواح"... علما بان هؤلاء لا يخيفون احدا ولا يهدد تكتلهم نظاما، ولا يؤتى للعبة التي جرى "حشدهم" من اجلها غير نجاح واحد، الا وهو النجاح في اطلاق دخان مصطنع يراد منه تغطية موجة عنف (واغتيالات؟ ربما اذا صدقت الشائعات و"اللوائح"!!!) لاستباق ازمة رئاسة الجمهورية بمحاولة الغاء الجمهورية برمتها.

فيا سيادة الرئيس بري،

في وسعك وحدك ان تكشف اللعبة وتستبق دخولها مرحلة الخطر باستخلاص "التفويض" الذي كادت لجنة الحوار تقترع على منحك اياه. وهو رغم استئخار تكليفك في متناول "اجتهادك"، وباب الاجتهاد مفتوح امامك ووسيع.

تذهب الى الرئيس اميل لحود وتصارحه بان اللعبة التي انطلقت مع تصريحاته "الهمايونية" (والكلمة فارسية، فيفهمها!) باتت مكشوفة وانه من السهل ان تنقلب عليه، من فرط ما اثبت حلفاؤه من ادمان للفشل السياسي وجهل لحقيقة الارادة الشعبية ورأيها العام.

ولا بأس بمصارحتك للرئيس اميل لحود بأمرين لا مهرب من النظر اليهما بواقعية كلية:

اولا : ان "الاكثرية" التي يصفها بالوهمية ربما فشلت في المنازلة الشعبية التي تركت نفسها تُستدرج الى الظن انها مقبلة عليها... والاستمرار في الاحراج المتبادل قد يقود الدولة والوطن الى ما لا تحمد عقباه وما لن يغفر الشعب للرئيس غير الشرعي والذين معه والذين وراءه ووراءهم لا حمّامات دم جديدة، ولا خصوصا المزيد من التقهقر الاقتصادي والاجتماعي والمعيشي الذي سيصيب الجميع دون استثناء، ولا غالب فيه بل الكل سيكون مغلوبا على امره، جاهزا للثورة والانتقام.

ثانيا: ان استمرار الرئيس في الحكم معناه استمرار المآزق والتدرج من السيئ الى الاسوأ. والاقل سوءا – وهو بالغ الضرر – قد يكون استقالة الحكومة واستحالة تأليف حكومة اخرى، وفي حال تأليف حكومة من حواضر بيت اللاشرعية، فمن المستحيل حسابيا نيلها ثقة المجلس اي مباشرتها الحكم، بأي شكل من الاشكال.

هذا ما هو مطلوب منك يا دولة الرئيس نبيه بري، بل هذه هي المسؤولية – وانها، نعرف، لثقيلة – التي لا نظنك متهربا من تحملها.

ولا حاجة بنا الى ان نزيد في المصارحة، فنقول اننا نشك كثيرا في جدوى استمرار "الحوار" – الحالي، او اي حوار سواه – ايا كانت ثقة العالم بنا واندفاع الدول في تشجيعنا، اذا لم تُعِد انت الحوار الدستوري الى اصوله وقواعده، بدءا من استقالة الرئيس لحود بكرامة ومن دون عنف... خشية أن تؤدي موجة العنف الذي قد يتوسله "الاشباح" اياهم الى اطلاقها، فتطيحه هو اولا قبل ان يطيح المؤسسات و... الحدود، ولو غير مرسّمة. مفهوم؟