الغد
ربما لا نستطيع النظر أبعد من القوس الذي يرسمه الاستفهام ... فإذا كانت الصورة اليوم ترتسم كباقة زهر على مدفع مدرعة، ووشاح ديمقراطي على شارة سيارة مفخخة، فإن "الثورات" الزرقاء والبيضاء و "البرتقالي" .. وكل ما حملته النماذج الجديدة ستبقى دون السؤال ...

اليوم و ... الأمس، والعالم يستفيق على "انتفاضات" مدنية .. وفي كل انتفاضة يتضح أن النموذج الذي يكتسحنا يبقى عند الحدود المرتبطة بمستوى القلق، او الثقافة .. فإذا وصل إلى حدود التوتر الشرق أوسطي بدأت تجلياته تكتسب آليات أخرى تبدأ من "الاحتلال" وربما لا تنته عند السيارات المفخخة.

صحيح أن الولايات المتحدة استطاعت حتى اللحظة تصفية بقايا الاتحاد السوفياتي عبر حالة من "الانتفاضات" الملونة .. لكنها تسير نحو رسم عالم تطالعنا كوندليزا رايس بتباشيره في كل تصريح، بينما نبقى عالقين في قوس الاستفهام؟ فكوندليزا رايس واضحة .. وما تريده الإدارة الأمريكية واضح .. والسؤال مرتد إلى داخلنا .. ربما لمعرفة هذا الموقف المعلق منذ أكثر من قرن ما بين الاختيار .. والزهو بالتراث.. ووسط هذا الاختلاط ربما لا نجد سوى السؤال .. أو عدم الاستجابة لمنطقية المنهج الذي يفرض السؤال ... فليس المهم اليوم هل نريد الديمقراطية الأمريكية أو نرفضها!! لأن مثل هذا التساؤل لا يملك أي منهجية داخلية طالما أن واشنطن لا تسعى لاستكشاف خيارنا.

السؤال الذي يخيم فوق "الفوضى البناءة" اليوم هو: كيف سيرتبط وجودنا بهذا النموذج الساعي لاكتساحنا؟ وإذا كنا نؤمن اليوم بأن الديمقراطية هي الحل ... فكيف لهذه الديمقراطية ان تفرض ثقافتها .. بدلا من أن يفرض الماضي هواجس "ديمقراطية"؟
في العراق هناك ديمقراطية !! وهو أمر لا شك فيه، لأن ثقافة العشيرة فرضته ليصبح أمراء الطوائف زعماء التمثيل الديمقراطي .. وربما في الأندلس ظهرت هذه الديمقراطية ... وفي عهد المماليك أو زمن صراع الولاة العثمانيين ... فالديمقراطية التي عرفناها كانت معبرة عن الكم العددي بغض النظر عن طبيعة الدولة الحديثة .. ونعيش اليوم انتعاشا ديمقراطيا لائتلاف العشائر والطوائف في العراق ولبنان وربما في أمكنة أخرى ساعية لتبنى هذه الفوضى البناء ....

قوس الاستفهام يبقى رمزا للفشل الثقافي أمام آليات الحاضر السريع ... فالديمقراطية لا تحتمل التكاسل خلف النراجيل ... وهي ليست جنات عدن للمتقين .. الديمقراطية بدأت بالإيمان بالمواطنة بدلا من العشيرة والطائفة ... وانطلقت من الصورة العلمانية ولا يمكن ان تنتهي عند المرجعيات الدينية، سواء كانت أحزاب في أفغانستان أو لندن، أو حتى إدارات من المحافظين الجدد داخل أرقة البيت الأبيض.