أول مساوئ «الريموت كونترول» الكسل. فلم تعد تقوم الى جهاز التلفزيون كلما اردت ان تغير القناة. وثانيها انك تمضي من الوقت في التغيير والبحث اكثر مما تمضي في الاصغاء الى برنامج واحد. وثالثها انك في معرض البحث تقع دائماً على منظر أفعى تصارع جرذاً، او عرب يتزاعقون حول كيفية انقاذ الأمة، او مباراة في المصارعة «الحرة». وعليك ان تختار. وانا اختار الافعى والجرذ، لأن بين الاثنين من الرحمة والتسامح، اكثر مما بين المتزاعقين العرب والمتصارعين الاميركيين. وقد ذهبت مرة واحدة في حياتي الى حضور مباراة «حية» في المصارعة الحرة.

وكانت في الكويت. ويومها ذهبت برفقة اخي وصديقي محمد خالد القطمة. واكرمنا منظمو الحفلة فأجلسونا في الصف الامامي، وكأننا سعادة القائمقام او عطوفة نائبه. وكان «ابطال» الحفلة «الاخوان سعادة» من لبنان ومصارع من افريقيا مكسو بالعضلات. وبدأت الحفلة مثل كل مصارعة اخرى، اي مسرح اونطة. لكن الحضور صدقوا ما يرون فانقسموا: اللبنانيون يهتفون للاخوين سعادة: «يللا يا بطل»، والسمر يهتفون للمصارع الافريقي: «اخلعه يا اسمر».

وبعد هتاف من هنا وهتاف من ها هنا، نسي المتصارعون انهم متفقون على قبض مجموع ثمن التذاكر وتقاسمه، ما بين القارة اللبنانية والقارة الافريقية، فاخذوا يتضاربون عن جد. وراحت العضلات تتطاحن حتى العظم، على رأي الراحل علي صالح السعدي.

واخذ الاخوان سعادة يلبجان الاخوين افريقيا، والاخوان افريقيا يفرمان الاخوين سعادة. وتطلعت في محمد خالد الى جانبي فرأيته اصفر على احمر مثل الغريفون. وقلت له: قم نمشي، فجمع قواه ونفسه وقام. واذ قمنا وخطونا كان اللبج على الحلبة مثل مدافع نافارونا. وقبل ان نصل الى سيارة محمد خالد كانت الحلبة قد نزلت من فوق الى تحت واندلع اللبج بين الجمهور وانقلبت الكراسي، واصيب «الاخوان سعادة» ايضاً باصفرار الغريفون، ودار المصارع الافريقي ورفيقه على كل من تقع عليه يداه المفتولتان وقبضتا صاحبه.

كنت قبل ذلك اكره المصارعة عن بعد فصرت امقتها عن قرب. وكنت اعتقد انها مسرح وتمثيل وتشخيص فصرت اخشى ان ينسى المصارعون الاتفاق وينسى الحضور «الروح الرياضية». وتقضي «الروح الرياضية»، حفظك الله، بأن يتصافح المتصارعون قبل المباراة كالفرسان ثم يتقاتلوا كالغربان. ولك ان تختار القناة التي تشاء: زعيق ام مصارعة حرة!