أخذ سمير جعجع كل وقته في جلسة الحوار الأخيرة يوم الجمعة الماضي، لشرح وجهة نظره في الملف الرئاسي. عرض رأيه بالتفصيل لجهة الأسماء والآلية، قبل ان يخلص الى اقتراح عملي: نتفق على الأسماء ثم نصعد الى بعبدا للقاء اميل لحود والتباحث معه. فإما ان نتفق ونكمل تنفيذ الآلية، وإما ان نختلف فنطوي الملف.

حين انتهى من كلامه، بدت علامات التوافق على وجوه أقطاب 14 شباط، ما أوحى بالاتفاق المسبق في ما بينهم على الطرح. عندها ابتسم السيد حسن نصرالله وقال لهم: "نفهم انكم تقترحون توسيع إطار حركة "فِلّ"، وتطلبون منا الانضمام اليها!". فأقفل الملف مرة ثانية، واتفق على 16 أيار موعداً جديداً لتقطيع الوقت والمواعيد.

قد تكون هذه الواقعة الأكثر تعبيراً حول ما آل اليه الموضوع الرئاسي بعد أكثر من عام على قيام التحالف الرباعي، وتكريسه نيابة وحكومة، كما بعد توزع المسيحيين على أطراف التحالف نفسه، مستتبعين هنا، أو متفاهمين جزئياً هناك. حتى ان سياسيين لبنانيين مطلعين نقلوا عن مسؤول عربي معني بالملف اللبناني، ان سورية باتت نتيجة هذا الواقع مرتاحة لناحيتين مؤكدتين: أولاً لجهة توقيت فتح الملف الرئاسي اللبناني أو إقفاله، وثانياً لجهة فئة المرشحين المحتملين لهذا الاستحقاق في حال استحقاقه. وينقل هؤلاء عن المسؤول العربي نفسه، ان دمشق باتت اليوم في مرحلة دراسة التوقيت الأفضل، والذي يعود اليها بالسعر الأعلى، لفتح هذا الملف، ويعتقد ان أهل النظام السوري متجاذبون راهناً بين نظريتين حول السؤال: متى يقررون السماح بوجود رئيس جديد للجمهورية في لبنان؟

النظرية الأولى لديهم تقول بأن ورقة إميل لحود باتت حالياً ورقة مربحة في بورصة التفاوض السوري ـ الأميركي ــ الفرنسي. وبالتالي فمن الضروري الحفاظ عليها ورصد حركتها التصاعدية، والانتباه الى لحظة توقف نموها واحتمال جمودها تمهيداً لانحدار سعرها في السوق نفسها. وبحسب هذه النظرية فان ورقة لحود في نهاية الولاية الممددة قسراً وخلافاً للدستور، أي في تشرين الثاني 2007، لا بد ان تفقد بعض قيمتها المتراكمة، أو حتى كلها.

ذلك ان ضغوطاً لبنانية داخلية وأخرى اقليمية عربية ودولية، قد تؤدي في غفلة من الحسابات السورية الى التسليم باستحقاق رئاسي لبناني تتحكم فيه الأكثرية الحريرية كاملاً، وتجرد بالتالي دمشق من "صلاحية" ورقتها الرئاسية تلك. ولذلك تقول هذه النظرية بترقب لحظة الذروة لسعر الملف الرئاسي اللبناني أميركيا، وهي اللحظة المتلازمة مع أكبر قدر من الاهتراء الداخلي في بيروت، وأكبر قدر من المأزق الأميركي في بغداد. وفي هذه اللحظة بالذات، تدعو هذه النظرية أهل النظام السوري للمبادرة في اتجاه واشنطن وبيع الورقة الرئاسية بالسعر الأعلى والشخص الأنسب. متى تكون هذه اللحظة؟ يعتقد كثيرون انها قد تجاور نهاية السنة الجارية، في الفترة التي تعزز حسابات الربح والخسارة البغدادية في الاعلام الأميركي، ويعود الحديث عن مواعيد الخروج من الموحلة العراقية، ويكون البوشيون تحت وقع نتائج انتخاباتهم الفرعية في تشرين الثاني المقبل.

أما النظرية الثانية فعلى العكس، تجزم بان الربحية التصاعدية للسهم السوري في الملف الرئاسي اللبناني، ستظل في تزايد مستمر، حتى نهاية الولاية. ليفتح عندها بازار من نوع "الفراغ الرئاسي أو الرضوخ لمطالبنا"، وتتكل هذه النظرية في شكل أساسي على عجز القوى اللبنانية عن تخطي عقبة النصاب الدستوري للانتخاب الرئاسي، حتى بعد رحيل لحود. وفي هذا السياق ذكر ان الرئيس نبيه بري بدأ يتحدث عن ان مثل هذا الاستحقاق ليس قانوناً عادياً ليمرر بأكثرية بسيطة، كما ان السوابق الدستورية كلها تؤكد على ضرورة تأمين نصاب الثلثين في كل جلسات الانتخاب ودوراته. عندها ترى النظرية المذكورة ان واشنطن وباريس، وحتى المسيحيين، سيجدون أنفسهم مضطرين للحديث مع سورية، منعاً لتحقق مقولة البعض بالخروج من "الطائف السوري" للوقوع في "الطائف الحريري".

أي من النظريتين تصح؟ تبدو الاجابات أكثر من مجرد احتمالين اثنين.