عادت سورية لتلعب دوراً فاعلاً ومؤثراً في الساحة اللبنانية، بعدما انكفأت عنها ظاهرياً شهوراً عدة، بسبب اتهامها بالتورط في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري. تلك الاتهامات أربكتها آنذاك، ودفعتها الى سحب قواتها العسكرية من لبنان، وأثّرت في أوضاعها الداخلية، وأدخلتها في عزلة دولية خانقة. لكنها، بعدما رتّبت أوضاعها الداخلية وأرست دعائم نظامها، مستفيدة من العنفوان الوطني والعوامل الاقليمية والدولية، بدأت الهجوم المضاد على الساحة اللبنانية، مستخدمة الأوراق الكثيرة التي تملكها ومنها:

العلاقة مع إيران التي تتعرض لضغوط خارجية بهدف منعها من متابعة العمل في الملف النووي، والتي تعمل، من أجل تخفيف الضغوط عنها، على تقوية مواقعها في العراق ووضع العراقيل أمام تنفيذ المخطط الأميركي هناك، ومدّ نفوذها الى منطقة البحر الأبيض المتوسط لتكون لاعباً أساسياً فيها، اذ تعتبر سورية نافذتها الرئيسة على هذه المنطقة، وترتبط بها بعلاقات قوية منذ ايام الرئيس الراحل حافظ الأسد، الذي وقف الى جانبها إبان الحرب العراقية – الإيرانية.

الفلسطينيون في لبنان. اذ تعتبر القواعد الفلسطينية خارج المخيمات، والتي تسيطر عليها «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة» بمثابة قواعد سورية داخل لبنان، لأن قرار الجبهة متلازم مع القرار السياسي في دمشق. كما أن كثيراً من التنظيمات الفلسطينية الموجودة داخل المخيمات، مثل «حركة حماس»، تنحاز تتأثر بالقرار السوري. ويتطلب تنفيذ ما اتفق عليه في مؤتمر الحوار الوطني اللبناني، حول سحب السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، وتنظيمه داخلها، تعاوناً سورياً كاملاً. ولا بد هنا من الإشارة الى تحرك أحمد جبريل، المحسوب على القيادة السورية، نحو القيادات اللبنانية، للتحاور معها حول هذا الموضوع بعيداً من السلطة الفلسطينية.

التحالف الشيعي. يسيطر «حزب الله» على القرار السياسي للطائفة الشيعية. والحزب واضح في تحالفه مع سورية والوقوف الى جانبها، وهو ركن رئيس في الاستراتيجية الإقليمية التي تنتهجها سورية بالتحالف مع إيران، نظراً الى العلاقة المميزة التي تجمعه مع هاتين الدولتين.

رئيس الجمهورية. فعلى رغم ان «اتفاق الطائف» وضع السلطة التنفيذية في عهدة مجلس الوزراء مجتمعاً، إلا أنه أبقى لرئيس الجمهورية وضع توقيعه على القوانين والمراسيم الرئيسة حتى تصبح نافذة. ويستعمل الرئيس اميل لحود هذه الصلاحية بطريقة تؤثر سلباً في عمل الحكومة و»تفرمل» اندفاعتها.

الأحزاب والقوى السياسية اللبنانية الموالية لسورية، ومعظمها غير فاعل. إلا أن بعضها يتمتع بقوة شعبية مؤثرة وخصوصاً النائب السابق سليمان فرنجية الذي يحظى في منطقته زغرتا بزعامة ملحوظة وقوة كبيرة. وتعمل هذه الاحزاب حالياً على تأسيس جبهة سياسية هدفها إرباك الأكثرية النيابية، وإظهار فشل الحكومة في إدارة البلاد والتعاطي في الشؤون الاجتماعية والاقتصادية والمالية.
العماد ميشال عون. اذ يعتبر التيار الوطني الحر من التيارات السيادية، وقد تعرّض مناصروه خلال الحقبة السورية للمضايقات من الأجهزة الأمنية، وكان جزءاً رئيساً فريق 14 آذار (مارس). ولدى عودة رئيسه من منفاه في باريس، غمرت الفرحة قلوب المسيحيين لتوقهم الى زعيم يعيد اليهم المشاركة في القرار الوطني، فسلّموه الإمرة والقيادة. وفيما كان الجنرال يعتدّ بأنه من عرابي «قانون محاسبة سورية» و»القرار 1559»، إذ به يبتعد عن فريق 14 آذار، ويصبح قريباً من سورية، ويتعاون مع حلفائها، ويسلّم بسلاح «حزب الله» الذي كان يعتبره حتى سنة خلت خطراً يهدد السلم الأهلي والوحدة الوطنية. وعلى رغم أن الجنرال يتمتع بشعبية مسيحية كبيرة، إلا انه يفتقد الى الإجماع الوطني.

إضافة الى الأوراق الآنفة الذكر، أفادت سورية من الأخطاء التي ارتكبتها الأكثرية النيابية، بالتركيز على معرفة الحقيقة في اغتيال الرئيس الحريري، وعدم اهتمام الحكومة المنبثقة عنها بالشؤون الادارية والاجتماعية والاقتصادية. فساءت الأحوال المعيشية وتوقفت عجلة الاقتصاد وساد الركود الأسواق التجارية. كما فتح ملف التغيير الرئاسي قبل تأمين موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب على التعديل الدستوري اللازم. فضلاً عن وجود فريق ضمن الأكثرية الشعبية، لا يريد أن تصل الأمور مع سورية الى هذا القدر من الحقد والتباعد والتراشق الإعلامي، لإيمانه بعمق العلاقة بين الشعبين الشقيقين.