هآرتس

عاموس هرئيل

قائمة الانذارات اليومية التي تحذر من وقوع عمليات والتي يوزعها الشاباك على أجهزة الأمن المختلفة، هي عبارة عن صيحة إعلامية. ذلك أن الصحف تتابع بحرص شديد التغييرات المتتالية في هذه الأرقام.
والمراسل الذي ينقل خبراً عن المعطى الدقيق، لا سيما عشية أيام العيد، وبشكل خاص في وسائل الاعلام الالكترونية ومواقع الانترنت، يعرف أن أمامه عنواناً مضموناً. وهذا الصباح أيضاً ستنشر وسائل الاعلام تقارير عن حالة الانذارات. فعشية يوم الاستقلال يبلغ عدد الانذارات 85 إنذاراً، من بينها 18 إنذاراً تم تحديدها على أنها "محددة المكان". يمكن لهذه المعطيات أن تثير الصدمة في قلب المواطن العادي، الذي يُزف اليه خبر مفاده أنه في هذه اللحظات بالذات تُخطط عشرات المجموعات الفلسطينية لقتله. عليه، لا عجب في أنه يبدو أحياناً بأنه وُلدت هنا هواية وطنية جديدة، تنافس فقط هوسنا طويل الأمد بحالة منسوب بحيرة طبريا ـ وهو أمر ذو شأن بأمن المواطن بالقدر ذاته تقريباً. لكن يدور خلف الكواليس نقاش مهني عاصف بشأن هذا الموضوع بين الشاباك والجيش الاسرائيلي.
يعتقد ضباط كبار في هيئة أركان الجيش الاسرائيلي أن نشر المعلومات المتعلقة بعدد الانذارات هو أمر لا حاجة له، ويؤدي إلى إثارة الخوف وتقويض الشعور بالأمن. هذه الأقوال وردت على خلفية المستوى العالي لإحباط العمليات الذي وصلت إليه قوات الأمن، وهو إنجاز يعي الجيش الاسهام الكبير للشاباك في ترسيخه. وفي الشاباك يردون بأن الأمر يتعلق بمعطى يحق لوسائل الاعلام الحصول عليه، وأن الجهاز غير مسؤول عن تضخيمه إلى عناوين ضخمة.
تقرير الانذارات، الذي يُصنف على أنه سري جداً، يوزع على مكتب رئيس الحكومة، وزير الدفاع، وأصحاب المناصب العليا في المؤسسة الأمنية. ومع أنه ممنوع نشر تفاصيل الانذارات، إلا أن إجمال المعطيات ليس سرياً.
لكن ما معنى الإنذار؟ يشمل الشاباك في الانذارات المعلومات العامة أيضاً بشأن نية مجموعة في منطقة جغرافية تنفيذ عملية اطلاق نار أو عملية انتحارية، ضد هدف غير واضح وفي موعد غير معروف. أما الإنذار المُركز، فيتعلق بخطة محددة لدى شبكة يتم التعرف على هوية عدد من أعضائها، لتنفيذ عملية في المدى القريب، مثل عملية انتحارية في اسرائيل.
لكن الجيش لا يوافق على هذين التعريفين، فالإنذار العام، في نظره، ليس سوى "جزء من معلومة استخبارية". وطالما لا يُعرف من الذي يخطط، وماذا ينوي أن يُنفذ، متى وأين تقريباً، فلا ينبغي اعتبار هذه المعلومة إنذاراً لأنه بالمفاهيم العسكرية، لا يوجد هنا معلومات توجب القيام بنشاط عملاني فوري.
وحتى بالنسبة للإنذارات المركزة، ثمة ملاحظات لدى الجيش الاسرائيلي: المعلومة التي يعتبرها الشاباك أنها مُركزة لا تكون دائماً محددة بشكل كاف. وبالتالي فإن عدد الإنذارات التي يحصيها الجيش الاسرائيلي هذا الصباح يمكن عدها على أصابع اليد الواحدة، مقابل 18 إنذاراً للشاباك.
إلى أي حد يتعين أن يثير هذا الامر اهتمام المواطن العادي؟ قليل جداً، على ما يبدو، على الرغم من عاصفة المعطيات الاعلامية. صحيح أن كثرة الانذارات، كما في الأسابيع الأخيرة، يشهد على أن الحافزية الفلسطينية للعمليات زادت، لكن هل أن ثمة انذاراً عاماً، بدل سبعين، يوجب مثلاً الامتناع عن زيارة المراكز التجارية؟
وحتى إنه من الصعب استخراج "تعليمات سلوك" من عدد الانذارات المُركزة، ذلك أن وجود الانذار المركز تحديداً، يساعد على الاغلب في إحباط الخطة. ومن اللحظة التي تتوفر فيها معلومات دقيقة، يصبح أسهل بكثير على الجيش والشاباك العمل لاعتقال الانتحاري. والعبارة الأكثر شيوعاً لدى ضباط الشرطة في ساحة العملية الانتحارية هي: "لم يكن لدينا انذار مركز".
في الجيش الاسرائيلي يشيرون إلى أن الهدف الأساسي للإرهاب هو نشر الخوف بين السكان المدنيين ـ وأن الصخب اللانهائي لعدد الانذارات يؤدي فقط إلى مساعدة الخصم في تحقيق هذا الهدف. والمطلوب من الجيش والشاباك، إضافة إلى الحفاظ على حياة المواطنين، ترميم شعورهم بالأمن. وحقيقة أن الاسرائيليين يشعرون الآن بأنهم أكثر أمناً ساهمت في تحسين فعلي للوضع الاقتصادي، قياساً بالسنوات الفظيعة لعامي 2001 ـ 2002، فالقائمة المُضخمة تًؤثر أيضاَ على المستوى السياسي. كما أن الانطباع الخاطئ حول الصورة الاستخبارية قد يؤدي أحياناً إلى توزيع مبالغ فيه للقوات وإلى اتخاذ وسائل حذر مبالغ فيها أيضاً.
اما في الشاباك فيوضحون أن المعطيات لا توزع إلى وسائل الاعلام بمبادرة من الجهاز. لكن كون القائمة موجودة في حوزة عدد كبير من الجهات، فلا معنى لعدم الاستجابة لطلبات الصحافيين. وفي الشاباك يعترفون بأن المغزى الأمني للقائمة محدود، لكنه يعكس التوجهات. ولا ينبغي التوقع من الشاباك أن يخفي المعلومات عن الجمهور أو عن أصحاب القرار. ومن المحتمل أن يكون التوضيح للظاهرة موجوداً في البند الأخير. فعندما نسأل من المستفيد من الانذارات، باستثناء المنظمات الارهابية، تجدر الاشارة إلى أن قسماً كبيراً مما يُنشر يُقتبس عن شخصيات رفيعة المستوى؛ رئيس الشاباك، المفتش العام للشرطة، وبالطبع الوزراء في مجالي الدفاع والأمن الداخلي، شاؤول موفاز وجدعون عزرا. وعندما يكون ممكناً بهذه السهولة الربح والاستفادة من التغطية الاعلامية المرحبة، يكون من الصعب ضبط النفس.
موفاز حل في الوزراة مكان الوزير بينيامين بن أليعيزر، الذي كان لديه عادة دائمة: عندما كان يأتي صحافي ما لإجراء محادثة معه، كان الوزير يفتح الكراس الأحمر الذي يحمل كلمات "سري جداً" يُلقي نظرة ثم يُغلقه فوراً. وبعد ذلك يقول بتنهد: "لو أمكن لك قراءة ما أراه هنا، لما كنت تنام الليل".