كان الزميل فؤاد مطر طوال سنوات، مراسل «النهار» في القاهرة. وقد برع في تغطية سياسات مصر وحروبها. وكانت تربطه صداقات قوية ببعض رجال المرحلة، مثل المشير عبد الحكيم عامر، الذي سمى ابنه البكر على اسمه. كما كانت «مصادره الموثوقة» التي ينسب اليها ما يتفرد به من سباقات وأخبار، رجلا واحدا هو الأستاذ محمد حسنين هيكل. وقبل بضع سنين اصدر فؤاد كتابا يروي فيه، ما اضطر الى حذفه من تلك الأخبار، في تلك الأيام، وهو أحد كتبه الاكثر متعة، لأن فيه خروجا على رسالة فؤاد الخالدة، في مصالحة العرب ودعوتهم الى التضامن. وكان قد سمى المجلة التي اصدرها في لندن «التضامن» خوفا من ان تعتقد دولة عربية او اخرى، انه تخلى عن مهمته ودخل نفسه اليأس.

تعلمت من كتاب فؤاد ان اعيد قراءة الاحداث الماضية، كما كانت، لا كما رويت. وكلما قرأت شيئا جديدا عن الاحداث التي عشتها وغطيتها وكتبت عنها، اكتشف انني كنت مجرد شاهد عابر ومأخوذ، لا اعرف اكثر مما يقال لي، ولا استطيع ان ازيد شيئا على ما اقرأ. وقد ذهبت مرة الى بوخارست وفي ظني انني سأصبح الخبير الأول في شؤون اوروبا الشرقية. وركبت القطار من عاصمة الى عاصمة. وتحدثت الى الناس بما تيسر لي او لهم من اللغات الحية والاشارات والايماءات. ولم احب بوخارست. ولا حتى حدائقها. وشعرت انني لا استطيع ان اخاطب أحداً دون تدخل الشرطة الا طيور الحمام البليدة والجائعة.

حاولت يومها وأحاول في قراءتي اليوم ان افهم نيكولاي تشاوشسكو. الرجل الستاليني الذي استقبل اول رئيس اميركي، ريتشارد نيكسون. الديكتاتور الذي قال عنه ديغول «ان شيوعية تشاوشسكو لا تصلح لأوروبا الغربية لكنها تصلح لرومانيا». الروماني الذي كرهه خروشوف وقال انه لا يصلح اكثر من فلاح او مزارع. الوسيط بين العرب واسرائيل، الذي قال البعض انه اسرائيلي سري وقال البعض الآخر انه عربي خفي. كان ستالينيا وكان له قصر يغطي نصف بودابست ويحجب الشمس فيها. وكان ظالما ومصلحا وشجاعا ومستبدا وغبيا. وكان خاضعا لسطوة زوجة بشعة. وكلما قرأت عنه استذجت كل ما كتبت. وأحيانا ما قرأت ايضا.