المغامرة خطرة فعلا، وهي تعادل اعلان الحرب على سوريا انطلاقا من الاراضي اللبنانية، او هي على الاقل تدعم وجهة نظر دمشق بأن لبنان عاد بالفعل ساحة للتآمر على النظام السوري، كما كانت الحال دوماً، منذ ان نال البلدان الاستقلال عن فرنسا وكل منهما عن الآخر أيضا.

وفد من حركة <الاخوان المسلمين> المحظورة في سوريا يزور لبنان بشكل شبه علني، يعرج على المختارة ليؤكد تقاربه مع النائب وليد جنبلاط وقوى 14 آذار، ثم يمضي الى المزيد من اللقاءات غير المعلنة التي يسهل التكهن بطبيعتها.. والتي لن يكون من الصعب التنبؤ بمضامينها ونتائجها، برغم انها لن تنتهي الى صدور بيان مشترك عن طرفيها.

في المبدأ، اللقاء طبيعي بل هو ضروري للتعبير عن ان لبنان خرج من اسر الاجهزة الامنية والسياسية السورية، ودخل في عملية مصالحة حقيقية مع مختلف فئات الشعب السوري التي لم يكن اللبنانيون يعرفون عنها الكثير طوال السنوات الثلاثين الماضية. لكن حركة الاخوان التي تمثل قطاعا واسعا من الرأي العام السوري لم ترسل وفدها الان الى بيروت للتصالح مع لبنان، ولا طبعا للتقارب مع النظام السوري.

النقاش مفتوح في دمشق، ولو بأشكال خفية حول تعديل المادة الدستورية الموروثة من فترة الثمانينيات والتي تحكم على أي عضو في الحركة بالإعدام. كما ان الاتصالات والوساطات العربية والاسلامية مستمرة بين الاخوان والنظام.. ويقال ان حركة حماس الفلسطينية التي تقيم قيادتها في سوريا تؤدي دورا متواضعا في هذا المجال.

زيارة بيروت تعني بالدرجة الاولى ان ذلك النقاش قد تعطل، كما ان الوساطات قد انتهت الى الفشل. النظام لا يريد الصفح ولا يرغب في الاصلاح، والحركة لا تطيق الانتظار في المنافي او في العمل السري. الاعتقالات الاخيرة التي شهدتها سوريا دليل اضافي على ان المواجهة مستمرة ومتصاعدة، وكذلك الامر بالنسبة الى خطاب الاخوان وتحركهم في سياق اعلان دمشق وفي جبهة الخلاص مع نائب الرئيس السوري السابق عبد الحليم خدام.

والزيارة، لا سيما الى جنبلاط وقوى 14 آذار، لا تزيد فقط من استحالة المصالحة بين النظام والاخوان، بقدر ما تؤكد ان الحركة تود العودة الى دمشق من الحدود اللبنانية التي تتحول يوما بعد يوم الى جبهة مواجهة مفتوحة بين البلدين لا تبشر بقرب التوصل الى وقف لإطلاق النار المتبادل، بل باتت تنذر بالمزيد من التصعيد والتفجير.

خطورة مثل هذه المغامرة لا تكمن فقط في انها تجرى في ظل اختلال واضح في موازين القوى، بل ايضا في أن الاخوان لم يمهدوا لزيارتهم بيروت بمراجعة لأدبياتهم السياسية التي لا تختلف كثيرا عن رؤية النظام للمسألة اللبنانية.. والتي توحي بأن اللبنانيين لم يكونوا يوماً سوى خونة للتاريخ والجغرافيا، ومن قتل منهم نال جزاءه العادل.