أيام بعد إطلالة وجه الإرهاب القبيح، مرة أخرى، في محاولة لتعكير مزاج أبناء الأمة في شم النسيم، أقدم عيد قومي مصري، شهد البرلمان المصري تبادلات تطرح علامات استفهام حول اولويات ممثلي الشعب. ويبدو من المناقشات تحت قبة البرلمان والمقترحات التنفيذية، ان النواب في واد آخر غير وادي النيل، وكأنهم قبطان الباخرة التيتانيك يواجه جبل الجليد العائم، فيعيد ترتيب الكراسي على سطحها بدلا من تعديل المسار، لتجنب الخطر الذي اغرقها بعد ساعات قليلة من تنبيه المسؤولين عن الملاحظة الليلية بوجوده. وبعكس تراجيديا التيتانيك، فإن غالبية ابناء الأمة المصرية ينبهون الى خطورة ما يختفي من جبل الثلج تحت الماء.
انصرف البرلمانيون عن الاصلاحات الدستورية، ومناهج التعليم، ومحاربة الفساد، وعن مشروع التطعيم في مواجهة الأمراض؛ وانتهاكات حقوق المواطنين على يد تيار متخلف لا يفهم ان الحفاظ على أمن المواطن وحريته، دعامة أساسية لأمن الوطن.
تعامى النواب عن جبل الثلج امام المحروسة، وغاطسه من طابور خامس واخطبوط ارهابي، يغذيه قومجيون وامميون متأسلمون ولاؤهم خارج مصر. انشغل البرلمانيون في معركة بين نواب الوطني الحاكم وكتلة الاخوان، مهدرين وقت دافع الضرائب المصري «الغلبان»، بمناقشة تحريم البهائية، رغم ضمان الدستور المصري لحرية العقيدة.
والسؤال الى مشيخة الازهر؛ والنواب الذين جعلوا البهائية «جريمة»؛ وهيئة قضايا الدولة التي تستأنف حكما صحيحا اصدرته المحكمة الادارية، كدليل لاستقلال ونزاهة القضاء المصري ورفضه تدخل الحكومة، بالزام وزارة الداخلية اثباتها للبهائية عقيدة في الوثائق الرسمية لمعتنقيها: هل أخبرونا أين ومتى عرض أتباع البهائية المصريون أمن الأمة المصرية للخطر، حتي يهدروا الوقت في مشاريع تجريمها؟
هل اغتال البهائيون قضاة او اعتدوا على نساء لتحجيبهن بالقوة، او أحرقوا الملاهي او فجروا القنابل في دور السينما، كما فعل الاخوان المسلمون مثلا؟
وهل قال احد البهائيين علنا «طز في الامة المصرية»، كما فعل مرشد الاخوان الذين يتسربلون بالحصانة البرلمانية؟
نحن في القرن الـ 21 يا سادة، ولا إكراه في الدين.
ولماذا لم يحقق النواب مع رؤساء ضابط بوليس أمر رجاله، على بعد نصف ميل من البرلمان، بمنع ناشطين سياسيين من الوصول لدار القضاء العالي لممارسة حقهم كمواطنين لتقديم بلاغ لوكيل النيابة العامة ضد اعتقال زملاء لهم؟
وبينما نجد نواب مجلس العموم البريطاني، حكومة ومعارضة، يضعون مصلحة الامة قبل اي اعتبار آخر، ويتفقون على مواجهة خطر الارهاب جميعا كأبناء وطن واحد، ينشغل النواب المصريون بعراك مع بعضهم البعض. فبدلا من الاتفاق على سبل فعالة لمكافحة الارهاب، الذي ضرب اربعة من مراكز السياحة، التي تعتمد عليها 54 صناعة مصرية وسيطة، في سيناء في 18 شهرا وأهدر دم المصريين؛ والتصدي الفاعل للتيارات والايديولوجيات الدخيلة التي تحاول طمس معالم الشخصية المصرية، يخوض نواب الاخوان والوطني معركة حامية الوطيس بعد اتهامات نائب اخواني، في الصحافة، نواب الوطني بتلقي «رشوة» لتمديد العمل بقانون الطوارئ السيئ السمعة. واضطر رئيس البرلمان الدكتور فتحي سرور لتوبيخ الخوان لخروجهم عن التقاليد البرلمانية الراسخة، التي تعود الى مطلع القرن 19، فاعتذروا معترفين بانها «مجرد اشاعات» سمعوها.
وحتى النائب/ الصحفي مصطفى بكري، صاح «ماليش دعوة»، مقدما عذرا اقبح من ذنب ملقيا باللوم على من «قدم المعلومات للصحيفة»، وهي طبعا مصيبة اذا كان المحرر يعتمد على مصدر واحد. اما إذا كان النائب الصحفي، في تصديه للدفاع عن الصحافة كلها، يعكس ممارسات صحفية عامة في مصر اليوم، فالمصيبة اعظم وافدح وتعني القضاء على مؤسسة مصرية عريقة كانت يوما تهز العروش وترفع راية الحقيقة، فتختزل الصحافة المصرية اليوم الى فترينة تصيب معروضاتها القوم بجهالة من دون ان تتبين، بنشرها اي انباء جاء بها فاسق او مختلق اشاعات.
ألم يكن من الأفضل مناقشة سبل اكثر فاعلية في مكافحة الارهاب والأخطار المحدقة بمصر بإصلاحات سياسية واحترام الحريات وتطوير التعليم للجميع، خاصة الصحفيين والنواب، والعمل على تطبيق القوانين العادية مدنية وجنائية من دون تمييز او استثناء، وعدم السماح للفساد بعرقلة تنفيذها، بدلا من تمديد العمل بقانون لم يفلح في منع جرائم الارهابيين، حيث كان ساري المفعول عند ارتكاب جرائمهم؟
وهل يحول القانون الجنائي العادي دون القبض على المجرمين والقائهم وراء القضبان، اذا ثبتت التهم عليهم في المحكمة، خاصة ما يعرف عن قضاة مصر من استقلال ونزاهة؟
أولم يكن اولى بنواب البرلمان الدفاع عن استقلال قضاة مصر وحمايتهم من جهل وحماقة بعض ضباط الأمن؟
انتبهوا يا نواب مصر للأحطار المحدقة بالأمة.
وما هي خططكم للتعامل مع صحف صفراء قومجية واسلاموية
(لا تعترف بحرية التعبير اصلا الا لنفسها)، ولاؤها خارج مصر وتتلقي التمويل من الغرباء (حيث لا يمكن لدخل التوزيع والاعلان وحده دفع حتى ايجار المقر)، وتشكك في كل ثابت مصري؟
وحسب مصدر امريكي قريبة من المحافظين الجدد فلدى الديبلوماسية الامريكية في مصر ميزانية بـ30 مليون دولار للتأثير السياسي في الرأي العام والقدرة على تحريك المظاهرات ضد الحكومة من اسوان حتى الاسكندرية.
ومبررات هذا التيار الامريكي هو قوانين الطوارئ التي تبرر انتهاك الحقوق المدنية، وتجاوزات الامن التي لا مبرر لها، واخطار التطرف الأصولي على الليبراليين والمعتدلين والنساء، وعلى غير المسلمين، وانتشار اشاعة توريث الحكم، والتدخل في حرية الافراد في اختيار العقيدة.
فماذا انتم فاعلون يا نواب المحروسة؟
ان الحكومة ونوابها يقدمون المبررات والأعذار للغرباء بانتهاك الدستور والقوانين، والتقاعس عن حماية عناصر الأمة التي يستهدفها الاصوليون لبث بذور الفرقة، وامامهم دروس الماضي، عندما توحدت طوائف الأمة كلها وراء سعد باشا زغلول فكان الاستقلال والدستور وافضل حقبات الحرية البرلمانية وامنت مصر وانتجت وابدعت من دون قوانين الطوارئ.
ان استهداف القضاة، وتقييد الحريات والعمل بالطوارئ، والتساهل مع المتأسلمين الذين يريدون اشعال حرب طائفية، واشاعات التوريث، كلها بقع كريهة تشوه وجه مصر وتعطي مبررات للأعداء.
وبما ان الجميع متساوون امام القانون، شرط تطبيقه من دون استثناءات، فالقرابة والمركز الاجتماعي او الاقتصادي يجب الا يكون عائقا، او داعما للطموح السياسي او اداء الواجب. ففي بريطانيا، اعرق الديموقراطيات، تجد هيلاري بن، نجل وزير الطاقة العمالي السابق انتوني بن، وزيرا في حكومة بلير، التي تناقض سياستها سياسة الأب الاشتراكية، لكنه خاض الانتخابات ونجح في دائرته عن جدارة. وفي أمريكا نجحت هيلاري كلينتون في دائرتها في ولاية نيويورك لمجلس السناتورز، في خدماتها للناخب بعد انتهاء نفوذ زوجها من البيت الابيض.
ولا احد يعترض على صلاحية اي مصري لوضع جهوده في خدمة الأمة، ويجب الا يكون وضعه الاجتماعي او المادي او الاسري عائقا يحول دون فرصته في تمثيل الوطن والاستفادة من خبراته او يتحول الى امتياز يعطيه فرصة ضد الآخرين.
فالمواطنة واجب قومي قبل ان تكون حقا، والكل متساوون في فرص خدمة الوطن، شريطة اقناع الناخب المصري بصلاحيتهم من دون ضغوط او تدخل.