عريب الرنتاوي/الدستور

لا يختلف صيف الفلسطينيين عن صيف أشقائهم في سوريا ولبنان، لا من حيث السخونة وارتفاع درجات الحرارة، ولا من حيث التدخلات والتداخلات الإقليمية والدولية، فالتطورات في المشهد الفلسطيني الداخلي تبعث على القلق والتحسب وحبس الأنفاس. صراع السلطة بأجنحتها ورؤوسها، دخل مرحلة الاستعراضات المقلقة للقوة والعضلات، تجنيد وتدريب وتخزين للأسلحة، وحروب تصريحات وبيانات ومواقع الكترونية، وحالة استقطاب تتفاقم يوما بعد آخر، فيما خريطة الطرق للخروج من المأزق الفلسطيني الراهن، ما زالت بلا حدود ولا ملامح. جذر المأزق يكمن في التأزم البالغ حد الذروة للبرنامجين المصطرعين.. فالسلطة، رئاسة أولى وبرنامج، ليس بين يديها ما تقدمه سوى اللعب على ’’هوامش برنامج أولمرت’’، ومأزق خيارها السياسي هو ذاته مأزق خيار السلام في المنطقة بكل أطرافه ومكوناته، إذ حتى الوعود باتت عصية الإطلاق، وبات أركان ونشطاء هذا المعسكر من عرب وفلسطينيين، يكتفون بالتحذير من قادمات الأيام وسيناريوهات المرحلة المقبلة. وبرنامج حماس بدوره، لا يقل تأزما، فالحركة التي جاءت إلى الحكم على ظهر برنامج المقاومة، غرقت صبيحة اليوم التالي في قضايا الرواتب والمعابر والمساعدات المالية والإنسانية، وهي وإن لم تتخل رسميا عن برنامجها بعد، إلا أنها لم تعد تمارسه واقعيا، من دون أن تمتلك في المقابل، برنامجا للحكم يقوى على تقديم الوعود والآمال.

والمؤسف أن الصراع بين جناحي الحركة الوطنية الفلسطينية، سلطة وحكومة وفصائل، لم يعد يدور حول الخيارات الأساسية للشعب الفلسطيني، ولم يعد يتعامل مع مخرجات الأحادية الإسرائيلية الجارية ترجمتها على الأرض، ذلك أن كلا الفريقين انصرفا إلى تقديم الوعود والتعهدات بحل المشكلات اليومية الضاغطة، ويتبادلان الاتهامات حول أسباب الأزمة والمسؤولية عنها، وأي منهما أقدر على صرف الرواتب نهاية كل شهر، من دون أن يكون لدى أي منهما، القدرة على إقناع أصغر فرع في آخر قرية لأي بنك فلسطيني بالخروج على تعليمات المجتمع الدولي.

والحديث الذي نسمعه من هنا وهناك، عربيا أو دوليا، يسهم في إذكاء أوار الصراع والمنافسة، ولا يسهم في تقديم رؤى وحلول فعلية.. فالداعمون للسلطة والرئاسة، ليس لديهم ما يعرضونه على أبومازن لتعزيز مكانته الداخلية، إن في الملفات الاقتصادية والاجتماعية والمعيشية، أو في الملفات السياسية الأهم، والمؤيدون لحماس حكومة وحركة، ليس لديهم سوى الشعارات المجربة واللفظية التي لا تقدم أو تؤخر، والنظام العربي بمؤسسته القومية الأولى: الجامعة، ومختلف مكوناته وعواصمه، أعجز من أي يوصل شاحنة دقيق واحدة إلى غزة من دون الحصول على الإذن المسبق من حكومة أولمرت.

والحصيلة أننا وصلنا إلى ذروة تأزم خياري السلام والمقاومة، خياري السلطة والحكومة، خياري فتح وحماس، ولم تعد ثمة من نافذة أمل سوى أن يتوصل الفلسطينيون أنفسهم في حوارهم الوطني المؤجل، إلى تفاهم على ’’خريطة طريق’’، تمكن الشعب الفلسطيني من الخروج من عنق الزجاجة الخانق، وتعيد الاعتبار لأولوياته الوطنية التي ركنت على الأرفف الشاهقة، إثر احتدام الجدل واندلاع حرب الاتهامات والاستعدادات الحثيثة للمواجهة، ليس أمام الفلسطينيين من خيار سوى تجنب ’’الصوملة’’ التي تطل برأسها، فالصراع على غرف النوم الضيقة لم يعد مجديا، فيما المنزل بأكمله تأكله النيران من جهاتها الأربع.