إذا صح ما نشره موقع "سيريا نيوز" الالكتروني، حول أسئلة الامتحان الكتابي الذي أجرته مؤخراً وزارة الخارجية السورية لانتقاء 30 ديبلوماسياً مستقبلياً من بين 2400 متقدم جامعي وحامل درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعات عالمية مرموقة،

فإننا سنتحسر في الأيام القادمة على عميد الدبلوماسية السورية السابق الأستاذ فاروق الشرع، ونعض أصابعنا ندماً على تصريحاته التي غسّل فيها الولايات المتحدة الأمريكية ومشّطها، في جلسة مجلس الأمن حول احتلال العراق، بينما جلس مندوبا الصين وروسيا الدولتين الدائمتي العضوية في مجلس الأمن صامتين يتأملان شجاعته، محاولين تخمين عدد الرؤوس النووية التي تملكها سورية، حتى يستطيع وزير خارجيتها بهدلة أمريكا بهذه الطريقة، وسنبكي بدموع على المشية الواثقة للدكتور فيصل المقداد مندوب سورية السابق في الأمم المتحدة، بعد خروجه من أي اجتماع لمجلس الأمن بابتسامته الواثقة على شفتيه، ويده اليمنى المخبئة في جيبه، وهو يتحدث للصحفيين باستهتار وانتصار عن طرحه أرضاً لمندوبي أمريكا وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن وبرأس إصبعه!

فأنا كسوري أشعر اليوم بالخوف بعد أن قرأت الأسئلة التي أجاب عليها دبلوماسيو سورية الجدد في امتحانهم الكتابي، ولا أزال من لحظة قراءتها وحتى الآن، أنظر فيها غير مصدق، وأبحث عن بالون لأنفخه وأتأكد من أنني لست سكراناً، وأرسم خطاً مستقيماً على أرض الغرفة وأمشي عليه لأبرهن لنفسي بأنني لست محششاً، وأقرص نفسي لأتأكد بأنني لا أشاهد مناماً، فهل من المعقول يا ناس أن يوجه سؤال لدبلوماسي مستقبلي من قبيل: عدد منجزات ثورة الثامن من آذار؟ فما الذي سيفعله الدبلوماسي حتى لو عرف الاجابة على هذا السؤال، الذي يتكركر لسماعه طلاب المرحلة الاعدادية في المدارس السورية، باعتباره درساً في تعليم الكذب، هل سيجلس الدبلوماسي الذي يجيب على هذا السؤال مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك ليقنعه مثلاً بأن يتخلى عن منجزات الثورة الفرنسية، ويتبنى منجزات ثورة الثامن من آذار!

وما الذي سيستفيد منه الدبلوماسي المستقبلي فيما لو عدد نتائج حرب تشرين التحريرية التي يطالبه بها السؤال الثاني لامتحان وزارة الخارجية السورية، فعلى فرض أنه استطاع اقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن نتائج حرب تشرين، أهم من نتائج الجيش السوفييتي في الحرب العالمية الثانية، وأغرت نتائج حرب تشرين التحريرية الرئيس بوتين فطلب من الدبلوماسي السوري المبادلة، بحيث تتخلى له سورية عن حرب تشرين، في مقابل أن يتخلى لها عن الانجازات السوفييتية في الحرب العالمية الثانية، ويعفيها من كل الديون المترتبة عليها، ألا يضع ذلك الطلب الدبلوماسي السوري في حرج كبير؟

وهل سيستطيع الدبلوماسي السوري المستقبلي فيما لو أجاب عن السؤال الثالث للامتحان حول خصائص الحركة الصهيونية أن يشرحها للرئيس الأمريكي جورج بوش، وهما يجلسان منفردين في البيت الأبيض بشكل يؤثر فيه أبلغ تأثير، فيضرب الرئيس بوش جبهته بيده، ويقول للدبلوماسي السوري بالعامية المصرية: أما أنا طلعت مغفل بشكل، ودولت اليهود مستغفليني. ويقرر من فوره قلب الموقف الأمريكي رأساً على عقب ودعم الفلسطينيين بدلاً من الاسرائيلين، ويتحول إلى محاضر مختص بخصائص الحركة الصهيونية، وكل ذلك بسبب السؤال الذي امتحنت به وزارة الخارجية السورية دبلوماسييها المستقبليين!

ولأن وزارة الخارجية لا تنسى بريطانيا فقد وضعت سؤالاً عن وعد بلفور ونتائجه ومن المؤكد أن الدبلوماسي السوري المستقبلي سيجادل فيه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير طويلاً، وسيلزق له في 10 داووننغ ستريت حتى يقنعه بمساوئ وعد بلفور، ولابد أن يستطيع التأثير عليه، وسنشاهد بعدها جلسة عاصفة لمجلس العموم البريطاني وسيقوم النواب ويقعدون مئات المرات، ثم سيقررون التخلي عن الأرض البريطانية للفلسطينيين، تكفيراً عن ذنبهم بإصدار وعد بلفور، وينتقلون إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، في مقابل انتقال الفلسطينيين للعيش في (فلسطينيا العظمى) كما سيطلق على بريطانيا، بفضل وحكمة سؤال وزارة الخارجية السورية لدبلوماسييها المستقبليين!!

ولأن لألمانيا ثأر قديم من أيام الحرب العالمية الثانية مع فرنسا وبريطانيا، فستقتنع من الدبلوماسي المستقبلي السوري بسهولة، حين يشرح لها جوابه الذي كتبه في ورقة امتحان وزارة الخارجية السورية على السؤال الخاص باتفاقية سايكس بيكو ونتائجها، وقد تقرر المستشارة ميركل شن حرب عالمية ثالثة، لا من أجل ألمانيا هذه المرة، ولكن كرمى لعيون الدبلوماسي لسوري وانتقاماً من السيدين سايكس وبيكو اللذان قسما بلاد الشام!

من حق أي سوري وليس أنا فقط أن يخاف وهو يقرأ أسئلة الامتحان الذي يقدمه دبلوماسيو سورية المستقبليون، فمثل هذه الأسئلة يمكن أن تسأل لبعثي يود نقل عضويته في حزب البعث من نصير إلى عضو عامل، باعتبارها شغلة أهلية بمحلية، أو يتبرع بقولها مزارع سوري لرئيس الجمعية الفلاحية ليدلل له على التزامه القومي والوطني وليدرأ عنه شر تقرير أمني، أو يكتبها المعلق السياسي لإذاعة دمشق باعتبار أنها أشياء لا تضر ولا تنفع، وتؤمن له دخلاً، أما أن تكون عدة الشغل لديبلوماسي فهذا يفسر لماذا يزاول كل دبلوماسيينا السوريين مختلف المهن باستثناء الدبلوماسية!!