في الوسط السياسي الفرنسي يقولون «ميشال عون» عندما يريدون ان يشيروا الى «نيكولا ساركوزي». لماذا؟ الجواب ببساطة: لأن الاثنين لا يهجسان إلا بالرئاسة، ليلاً نهاراً فقط، في الأعياد والعطلات، سبعة أيام في الاسبوع، أربعاً وعشرين ساعة في اليوم...

حتى ان الوزير الفرنسي صرح مرة بأنه يفكر في الرئاسة وهو يحلق ذقنه يومياً... ويضيف الجواب ان ساركوزي وزير الداخلية لا تشغله وزارته إلا لوقت قصير في اليوم، فلديه أعوان جيدون يديرون العمل فيها، ثم انه يجند الوزارة في خدمة معركته الكبرى، حتى انها تحولت آلة للرصد وراداراً سياسياً لاستشعار الرياح والعواصف والتيارات المضادة والضربات تحت الحزام. أما كيف ولماذا أطلق اسم الجنرال اللبناني على الوزير الفرنسي، فيقول الجواب ان سياسيين ممن يتابعون الشأن اللبناني ومن أصدقاء عون لكنهم من خصوم ساركوزي هم الذين اخترعوا التسمية، لكن أهم ما برر التشبيه في رأي أصحابه ان الرجلين يعتبران أولاً أنهما دائماً على حق في كل ما قالاه ويقولانه وسيقولانه، وثانيا انهما يستطيعان ان يغيرا موقعيهما سياسياً وان يستمرا في المجادلة بأنهما في الموقع نفسه.

في اي حال، يبدو ان الرجلين سيفترقان خلال السنة المقبلة، إذ ان أحدهما قد يصبح رئيساً بحكم حظوظه، أما الآخر فلن يحالفه الحظ... هذا ليس من قبيل التنبؤات، وانما نتيجة تحليل وقراءة لوضع كل من عون وساركوزي على حدة. هناك من يقول ان الاثنين لن يريا الرئاسة اطلاقاً، لكن شيئاً لا يدعو الى مثل هذا التشاؤم، خصوصاً بالنسبة الى العماد عون. ولعل العنصر الايجابي في المشابهة بين الرجلين أنهما يطرحان افكاراً جديدة ومواقف جريئة، كما يعبران عن ديناميكية سياسية لا غبار عليها، الى حد ان «ساركو» يغازل زعيم اليمين المتطرف وينافسه في بعض تطرفاته ضد المهاجرين. لكن الأكيد ان الرجلين يفترقان جداً في الموقف من اسرائيل، بدليل ان عون ذهب الى «تفاهم» موثق مع «حزب الله»، أما «ساركو» الذي كان ذهب الى القاهرة لمغازلة شيخ الأزهر حين احتاج الى مساندة في «قانون الحجاب» لم يتردد بعد اضطرابات الضواحي الباريسية من طلب «نصائح» وزارة الأمن الاسرائيلية، بل قيل انه رافق وفداً من خبراء هذه الوزارة في جولة على الضواحي.

أما الفارق الكبير بين عون وساركوزي فهو، بداهة، أنهما ينشطان في بلدين مختلفين. لذلك يستطيع الوزير الفرنسي ان يتمتع بالترف الذي توفره الحياة السياسية في بلاده، أما الجنرال اللبناني وسواه من السياسيين اللبنانيين فلا يستطيعون حتى ادعاء ان مثل هذا الترف متاح لهم، بل من العبث ان يتصرفوا كأنه متوفر لهم. وإذا اخفق ساركوزي في بلوغ الرئاسة، فإنه سيبقى في صفوف الحزب الذي رشحه وسانده، لكن إذا لم يحالف الحظ العماد عون فإنه يوحي منذ الآن وكأن القيامة ستقوم وان العالم سيتغير. هناك كثيرون يؤيدون عون للرئاسة اللبنانية، لكن «عون» لا يريد ان يتكلف شيئاً في معركة ازاحة الرئيس الحالي اميل لحود. لا مانع عنده من ان يزاح أو ان ينزاح تلقائياً، لكنه لا يريد ان يساهم في تحقيق هذه الخطوة التي باتت مطلباً وطنياً. فحتى الذين يؤيدون «عون» يتمنون ان يتنحى لحود اليوم قبل الغد، لكنهم يدعمون الجنرال في عدم زحزحة الكرسي تحت لحود. وحين بدا ان الملف مرشح للاغلاق، أي لأن يبقى لحود حتى آخر ولايته شعر العونيون بأن مثل هذا الخيار ليس لمصلحة جنرالهم. وفي مواقف كهذه يعرف ساركوزي على الاقل انه لا يستطيع الحصول على الشيء ونقيضه في آن.

يبقى ان الوزير الفرنسي يستطيع، من باب «العداء» لشيراك ولـ «أصدقاء» شيراك من اللبنانيين، ان يوفر نصائح مفيدة للعماد عون، قوامها ان السنة ونصف السنة الباقية حتى تنتهي ولاية لحود التعيسة يستحسن إما القيام بخطوات سياسية واقتصادية تهيئ البلد لما بعد لحود، أو في أضعف الإيمان اقامة حوار حقيقي وعميق حول لبنان ما بعد الوصاية السورية وإلا فإن الاستحقاقات ستظهر مع الرئيس المقبل ولا يكون المجتمع السياسي قد وجد لها أي «اجماعات وطنية» كـ «طائف جديد» أو ما يشبه...