تقدمت نحوي شابة في بهو فندق «الفيصلية» في الرياض، وألقت التحية. وشعرت بحرج. فليس مألوفاً في الرياض تبادل التحية بين شابة محجبة ورجل زائر. ولم أعرف ان كان علي أن أصافحها أم لا. وفي أي حال، تولت هي، إدارة الموقف؛ من المبادرة الى المصافحتين، التقديمية والوداعية. وكان الفارق بينهما دقيقة أو أقل. هل أرادت هذه الشابة الرخيمة الصوت ان تطريني؟ لا أعرف. دعوني أقلد دوستويفسكي وأقول: هذا ما حدث معي ذلك النهار. لقد قالت لي: «منذ صغري وأنا مولعة بالقراءة. وعندما بدأت في قراءة الصحف، أمسك أبي بـ«الشرق الأوسط» وقال لي: اذا أردت ان تتقني اللغة العربية، فاقرأي فلانا. ومن يومها وأنا أفعل. وقد تخرجت من كلية الآداب ولا ازال أعمل بنصيحته».

كانت الشابة الكريمة تتحدث وأنا احاول ان احسب سنوات عمرها، أعطاها الله العمر والسعادة وحفظ أهلها. فهل اصبحت في سن يوصي الاهل اولادهم بقراءتي؟ منذ كم سنة؟ لقد بدت الشابة أكبر من ابنتي بقليل. ولم اتلق في حياتي إطراء أجمل من قبل، إلا يوم هجم عليّ شاب في مطار دبي على كرسي متحرك، وأراد ان يغمرني. ولعل ذلك كان العناق الوحيد الأجمل من عناق ابني.

الكاتب إنسان هش وضعيف وسريع العطب. يتضايق إذا تكاثر حوله الناس ويفقد صوابه إذا تجاهلته او لم تتعرف اليه. والعمر مهم لجميع البشر. لكنه يعني شيئاً خاصاً للمنتسبين الى الشأن العام والصورة العامة. فهؤلاء يخيفهم ان يفقدهم التقدم في السن العلاقة مع الاجيال الطالعة وهمومها وقضاياها. وهذا لا يعني ان ينتقل الكاتب الى دنيا «الكليبات» وجيل المطربات التي تغني من اوجاعها واحاتها (جمع اح)، ولكن ان لا يدرك أن الدنيا لا تتوقف من اجل احد، وتطور العقل لا يتخلف بأمر من احد.

كانت امي تقرأ لي وأنا طفل، روايات من التراث العربي. ولا تزال في ذاكرتي بعض الاسماء وبعض الحكايات. وإحداها حكاية اعرابي ذهب يطلب ابنة احد اصدقائه، فلما دخل بهو المنزل رأته الفتاة من خلف الستارة الخفيفة فنادت على امها تقول: «يا ما، لقد شاب عمي نمر، لقد شاب». تتقدم مني الشابات الآن لكي يخبرنني أن آباءهن قد اوصوهن بقراءتي وهن يافعات! لقد شاب عمكم نمر. بل تخطى شيبه شيب نمر. وأكثر.