التصعيد الراهن بين إيران والولايات المتحدة وبعض دول العالم حول ملف إيران النووي لا ينبغي التقليل من خطورة انفجاره استنادا إلى فرضية أن تناقض المصالح بين روسيا والصين من جانب، والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر، يمكن أن يمنع استصدار قرار من مجلس الأمن يتيح استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة خشية استغلاله من قبل الولايات المتحدة وحلفائها للقيام بعمل عسكري ضد إيران، فهذا التناقض بين الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن لا يمكن الركون إليه أو النوم على وسادته، فللدول الكبرى حساباتها ومقايضاتها وأولوياتها الخاصة التي تتبدل وتتغير وفق موازين مستجدات اللحظة الأخيرة.. ولا يبدو أن إيران تلقي بالاً لهذه الاحتمالات، فهي تمضي نحو غاياتها بإصرار الواثق، محرقة كل مراكب العودة عن قرارها، إذ لا تكف عن الحديث اليومي بشأن توسيع نشاطها النووي، ولا تتردد في وصف خصومها على لسان رئيسها محمود أحمدي نجاد بأنهم «طغاة صغار يحاولون التدخل بوقاحة في الشؤون الداخلية لدول أخرى».

ولعله من الطبيعي أن يكون للملف الإيراني حضوره المكثف على طاولة اجتماع قادة دول مجلس التعاون الخليجي «جيران إيران» في قمتهم التشاورية الثامنة التي عقدت بالرياض أول من أمس، فهذا الملف الذي وصفه وزير الخارجية الإماراتي الشيخ عبد الله بن زايد بـ«المقلق» يعكس الاستشعار الخليجي لخطورة البرنامج النووي على الضفة الشرقية من الخليج من ناحية، كما يعكس ـ من ناحية أخرى ـ إدراك حجم التعقيدات التي تنشأ من استخدام القوة لفرض إرادة الولايات المتحدة على إيران، وما يترتب على ذلك من مخاطر بيئية واقتصادية وأمنية. وباختصار، فإن الدول الخليجية وجدت نفسها بين أمرين أحلاهما مر، وقد عمق من هذه المرارة استشعارها بأنها لا تمتلك إمكانية القيام بدور الوسيط الذي يراهن على نجاح وساطته في ظل افتقار الفريقين إلى شيء من المرونة التي تطلبها مثل هذه الوساطة.

وفي انتظار المجهول، ليس أمام الدول الخليجية سوى تكثيف استعداداتها للتعامل مع مختلف السيناريوهات المحتملة، فإيران تقع على «مرمى حجر» من هذه الدول، وزلزال الحرب ـ إن حدث ـ في إيران يفرض على دول المنطقة التنبه مبكرا لإشكالات توابعه باتخاذ كافة التدابير المكنة لتأمين ذاتها، وحماية منجزاتها.

وبين المتفائلين والمتشائمين، قد يجد البعض نفسه يعيش سيكولوجية «المتشائل» الذي يرى أن الحرب والسلام يقعان على نفس القدر من المسافة، فيتفاءل بانتصار الحكمة على الجنون بنفس القدر الذي يتشاءم فيه من حدوث العكس.. حمانا الله وإياكم من ويلات الحرب وأثمان السلام.