لا يُخفى على المراقب ان اصرار هيئة التنسيق النقابية على التظاهر الاربعاء ضد مشروع قانون وهمي (التعاقد الوظيفي المسحوب اصلا من التداول) يرافقه ويتقاطع معه "التحشيد" السياسي الذي تمارسه قوى سياسية في محاولة لاسقاط حكومة لبنان الاستقلال العصية حتى اللحظة، رغم كل الحروب التي تشن ضدها بغية اخضاعها للابتزاز الذي يمارسه النظام السوري على لبنان منذ اجبرت قواته النظامية على الجلاء عنه بقوة تصميم اللبنانيين على نيل الاستقلال وحماية حريتهم.

فلا يخفى على المراقب طغيان الهدف السياسي الخارجي على الجانب المطلبي الذي يتشدق به بعض (وليس جميع) قادة الهيئات النقابية المستتبعين اصلا لاجندة أحزاب تأتمر بقرار النظام السوري، او اقله تنسق معه في ادنى تفاصيل تحركاتها.

ولا نرمي من هذا الكلام الى التقليل من اهمية الازمة المعيشية، ولا الى التغاضي عن حق المطالبة بحماية مكتسبات، ولا الى التنديد بحق التظاهر تعبيرا عن ضيق في العيش لا يشك احد في انه حقيقة لا يمكن تجاوزها. لكن المريب هو هذا التقاطع بين اصرار هيئة التنسيق النقابية على التظاهر، رغم سحب موضوع التعاقد الوظيفي من التداول، ودعوة حلفاء سوريا من القوى والاحزاب الى الحشد الشعبي الاربعاء، بعضهم تحت شعار اسقاط الحكومة علنا، وبعضهم الاخر تحت بند الدفاع عن الطبقات الدنيا. وهو تقاطع في الادوار والوظيفة في مرحلة من ادق المراحل التي يعبرها النظام السوري بعدما ألّب المجتمع الدولي، بما فيه روسيا والصين، ضد ممارساته الرافضة احترام القرار 1559 واستقلال لبنان وسيادته، وذلك على اصعدة رفضه ترسيم الحدود بدءا من مزارع شبعا، خرقه الحدود الدولية في اكثر من موضوع، رفضه اقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان علامة على اعتراف حقيقي بنهائيته كيانا مستقلا.

ولعل تسارع الخطى الدولية لتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، بما يعنيه من قرب استدعاء مسؤولين سوريين كبار او توجيه الاتهام اليهم في القضية واحالتهم على المحكمة، يدعو نظام دمشق الى خوض سباق مع الوقت ومع الاستقرار اللبناني في آن واحد، سعيا الى فرض واقع جديد يصعب تجاوزه لبنانيا، عربيا او دوليا. من هنا هذه "النوبة" المطلبية التي يسير في ركابها رهط من جماعات النظام السوري في لبنان.

ان التظاهرة التي دعت اليها هيئة التنسيق النقابية وسط "تحشيد" قوى سياسية لغد الاربعاء ستكون تظاهرة لبنانية في ظاهرها، سورية في عمقها السياسي وفي المرامي والاهداف. والجهة التي ستنزل الى الطريق تحت اي شعار كان، ستكون بحكم الجهة المجنّدة في سياق تنفيذ أجندة غير لبنانية.

خلاصة القول: ان الدفاع عن لقمة العيش شيء، ولعب دور حصان طروادة لمن يريد بلبنان شرا شيء آخر. لذلك يشعر كثيرون للمرة الاولى منذ زمن بأنهم لن يكونوا الاربعاء بازاء مطالب سامية ومحقة، انما سيكونون في مواجهة مع نظام خارجي يتلطى خلف أقنعة لبنانية. وهنا يسأل كثيرون: هل التظاهرة مطلبية ام محاولة انقلابية سورية؟