أي سنيورة تستقبل دمشق؟. هل تستقبل رئيس الحكومة الذي جلس في مقاعد الكبار في مجلس الأمن، يطالب بترسيم الحدود، وبلبنانيّة مزارع شبعا، وبعلاقات دبلوماسيّة؟، أم رئيس الحكومة المؤمن بأن العلاقات لا تعالج إلاّ مباشرة، ووجهاً لوجه، ومن دون وسيط خارجي، سواء أكان عربيّاً، ام أجنبيّاً؟.
يبدو، ان لا هذا، ولا ذاك. والمسؤوليّة مشتركة، ولا يتحمل وزرها الرئيس السنيورة وحده، بل ان العاصمة السورية، ليست معصومة إطلاقاً، ولا هي فوق الشبهات، بل أسهمت الى حدّ بعيد في تأزيم الأمور، وفي دفعها الى المناحي الخطيرة التي بلغتها اليوم!.

يجب الاعتراف بأن رئيس الحكومة قد قام بأكثر من مبادرة باتجاه العاصمة السوريّة، ولم تقابل بالمثل، بل بالتجاهل، وبالكثير من <الشوفانيّة>، وبأحسن الاحوال بكلام <ملغوم بالشروط التعجيزية، التي تعود الى زمن الوصاية>، وهذا ما ساعد على تأزيم الأمور، بدلاً من حلحلتها.
لقد قام السنيورة بأول تحرّك خارجي، بعيد تشكيل الحكومة، باتجاه دمشق، ووصف زيارته يومها <باجتياح محبة>، لكن الاجتياح، قوبل بالفتور، ثم بعدم الاكتراث، وقد انتظرت بيروت طويلا الرئيس ناجي العطري، من دون ان يأتي، ولو من باب <استكمال الود>، ردّا على زيارة المحبة، او من باب اللياقات، التي تفرضها خصوصيّة العلاقات بين الدول، فكيف إذا كانت هذه الدول شقيقة، وتجمعها علاقات التاريخ، والجغرافيا، وفق <المعزوفة التي يتكرر نغمها، في كل مناسبة؟!>.
وعندما انعقدت القمة العربيّة في الخرطوم، تسنى للسنيورة أن يصافح الرئيس بشار الاسد، ويتمنى استقباله في دمشق، وقد وعده خيراً، شرط التنسيق المسبق و<الإعداد الجيّد> لها، وحتى الآن لم يتم التنسيق، في حين ان الذي تمّ، كان المزيد من الشروط التعجيزية، المسبقة. وعندما أنتج الحوار الوطني وفاقا حول المسلمات التي يفترض ان تستند اليها العلاقات الثنائيّة، طالب السنيورة بزيارة العاصمة السوريّة، لكن بعض الناشطين لتهيئة ظروفها الملائمة، لم يتمكنوا، من جعل الطريق آمنة، وسالكة حتى الآن؟!.

يقال بأن الرئيس نبيه بري قد حقق أمس الاول، إنجازاً على هذا الصعيد، عندما قال إن ابواب دمشق مفتوحة أمام جميع المسؤولين، بمن فيهم الرئيس السنيورة؟!.
يبدو أن هذه الدعوة قد جاءت متأخرة جدّاً، ذلك ان رئيس الحكومة قد أصبح في مجلس الأمن، ومعه ملف العلاقات اللبنانية السورية، وأن ممثل الامين العام تيري رود لارسن، حدد <الأسس، والمعايير>، في تقريره الأخير، إذ طالب بترسيم الحدود، وبإقامة العلاقات الدبلوماسيّة.
وتأتي زيارة السنيورة الى لندن، عشية صدور قرار جديد عن مجلس الأمن، يطالب بالترسيم، وبالعلاقات، وهذا يعني أن الملف قد دوّل، ولم يعد شأناً ثنائيّاً لبنانيّاً سوريّاً، بقدر ما أصبح في عهدة المجتمع الدولي. كما يعني ان لبنان لم يعد باستطاعته لجم اندفاعته باتجاه التدويل، إلاّ إذا اقتنعت دمشق أولاً، وقررت التخلي عن الأسلوب الذي كانت تعتمده في التعاطي مع الحكومة اللبنانيّة، بآخر، مختلف، ومغاير تماماً؟!.

عليها ان تقتنع اولا، بأن <زمن الاول، قد تحوّل>، ولم يعد مقبولاً، ولا مسموحاً أن يحكم لبنان، وفق إملاءاتها، بقدر ما هو من غير المقبول، والمسموح ان يحكم لبنان على قاعدة العداء لها؟!. وعليها ان تقتنع بأن <الجغرافيا، والتاريخ>، لا يحولان دون قيام علاقات دبلوماسيّة بين الدول، ولو كانت هذه النظريّة هي القاعدة، لما كانت هناك علاقات دبلوماسيّة، وسفارات معتمدة بين الدول، لأن كلاّ منها، متجاور مع الآخر، وله علاقات تاريخيّة، وارتباطات جغرافيّة. وعليها ان تقتنع بأن <العلاقات الخاصة والمميّزة، والممتازة> لا تكون من موقع الهيمنة، والفوقيّة، والاستيعاب، بل من موقع النديّة، والاحترام المتبادل، وهذا الاحترام، لا يكون إلا باحترام واضح لحدود البلدين، ومصالحهما المشتركة، التي تؤمنها علاقات سويّة، كتلك القائمة بينها، وبين معظم الدول المجاورة لها؟!.