محمد أبو مهادي

يتواصل العدوان الإسرائيلي علي الشعب الفلسطيني ويتوسع في عمليات القتل والتنكيل مع إحكام الحصار الاقتصادي، وتشترك مع إسرائيل في هذا العدوان الحكومات الممولة للسلطة الوطنية الفلسطينية، كذلك الحكومات العربية منزوعة الإرادة والمكبلة بطوق صندوق النقد الدولي والتبعية السياسية والاقتصادية.

وتصاعد حدة هذا العدوان بهدف إجهاض التجربة الديمقراطية الفلسطينية وتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني من ناحية ،وللانقضاض علي الحقوق الوطنية الفلسطينية والتنصل من استحقاق سياسي وتاريخي للشعب الفلسطيني علي إسرائيل من ناحية أخري وهذا هو الأساس.

يدعي بعض هواة السياسة أن اعتراف الحكومة الفلسطينية بإسرائيل، ودخول حماس وغيرها من القوي لمنظمة التحرير الفلسطينية وتبني برنامج واقعي أو تشكيل قيادة موحدة أو جبهة وطنية موحدة قد تشكل مخرجاً للازمة الراهنة!

وفي الواقع أن هذه الشعارات الاعتراضية لن تسهم في وضع حلول حقيقية للازمة التي يواجهها الشعب الفلسطيني وهي الأخطر من نوعها، وهذا لا يعني التقليل من شان المقترحات السابقة بقدر ما هو تذكير بأن قوي الشعب الفلسطيني عاشت تجربة الوحدة في المؤسسة" م.ت.ف" والبرنامج الواقعي" برنامج السلام الفلسطيني" لسنوات طويلة ولم يتحقق انجاز سياسي حقيقي يذكر في قضايا اللاجئين والدولة والحدود والمستوطنات وغيرها من قضايا وهذا لا يعني إنكار بعض الجزئيات المتمثلة في قيام السلطة ومؤسساتها وعودة قيادة المنظمة إلي الداخل والذي جاء نتيجة لتنازلات مؤلمة قدمتها القيادة السياسية الفلسطينية منها الاعتراف بإسرائيل والتنازل عن حوالي 78% من مساحة فلسطين التاريخية، وبالتجربة فقد ثبت أن المشكلة ليست في شكل إدارة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي فلسطينياً بقدر ما هي مشكلة في الموقف الإسرائيلي الرافض لأشكال التسوية السياسية المبنية علي استعادة الحقوق وقد راكمت مجموعة من الممارسات تمثلت في:

أولاً: إن إسرائيل وحلفائها وعلي مدار أكثر من عقد قامت بإجهاض كافة المساعي الجدية لتحقيق سلام عادل وشامل علي أساس قرارات الشرعية الدولية والأرض مقابل السلام والاعتراف بالحقوق الثابتة والمشروعة للشعب الفلسطيني.

ثانياً: استطاعت إسرائيل وحلفائها إضعاف التوجه السياسي "العقلاني" الفلسطيني كما يحلو للبعض أن يسميه، بل وفرضت حصار مميت علي الرئيس الراحل ياسر عرفات الحائز علي جائزة نوبل للسلام، واستطاعت أن تعرقل عمل أكثر الحكومات واقعية خلال تولي أبو مازن لرئاسة الوزراء، وفي حينها شهد الجميع مماطلة إسرائيل في تنفيذ ابسط الاستحقاقات والمتعلقة بمواضيع الأسري أو فتح المعابر والممر الأمن.

ثالثاً: إسرائيل ومنذ زمن وهي تنفذ خططها الخاصة بها وتجند لها التأييد الدولي وبانحياز كبير من الموقف الأمريكي ولا تزال عاقدة العزم علي فرض رؤيتها السياسية من خلال خطة شارون أحادية الجانب في غزة ومن ثم استكمالها بخطة اولمرت علي بقية أجزاء الضفة الغربية، في الوقت نفسه تتراجع الإرادة العربية والموقف العربي المشترك والذي باشر سابقاً بإطلاق ما يسمي بالمبادرة العربية للسلام وعقد قمماً عربية مختلفة لم تؤرق شارون او حكومات إسرائيل المختلفة كالعادة، حيث ان هذه الشعارات والمواقف غير المقرونة بأي فعل حقيقي يعبر عن صدقيتها وجديتها لم تعد تحتل موقعاً في الوجدان الإسرائيلي ولا بد من التذكير أيضاً أن إسرائيل ومنذ عقد المؤتمر الصهيوني في بال"1897" لم تتراجع عن هذيانها وأطماعها في دولتها المنشودة، بل تشير كل الوقائع أن علاقتها بعملية السلام التي كانت جارية محض تكتيك سياسي يخدم تلك الأهداف والأطماع للصهيونية العالمية.

لقد تمكن الشعب الفلسطيني حني الآن من الصمود في وجه كل أشكال القمع والتنكيل الإسرائيلي لسنوات كفاح قدم خلالها آلاف الشهداء والجرحى والمعتقلين، ويشكل بقائه مجرد بقائه علي ارض فلسطين في ظروف القمع والحصار والتجويع نموذجاً رائعا للكفاح يجسد الانتماء للأرض والهوية، كما ساهم الشعب الفلسطيني في رفد المجتمعات العربية تجربة ديمقراطية رائعة من خلال العمليات الانتخابية التي جرت خلال الفترة المنصرمة، كما قدم نموذجاً حقيقاً لوحدة الشعب وتكافله أمام الصراع المقيت علي المواقع القيادية وتجنب مرات عديدة خطر الاقتتال وسيتجنب هذا الخطر وأخطار أخري إذا ما اتخذت مجموعة من الخطوات:

أولاً:علي المستوي الداخلي

• أن تعمل الحكومة الفلسطينية جاهدة باتجاه فرض الأمن وتحقيقه للمواطن الفلسطيني ووقف كل مظاهر الاعتداءات المسلحة والتعديات علي الممتلكات والأفراد وذلك لن يتحقق إلا بإجراءات رادعة تستند إلي القانون أولاً، وتدعيم وتفعيل واستقلال جهاز القضاء ثانياً باعتبارها حكومة شرعية تستند إلي التفويض الشعبي الانتخابي.

• التوقف عن محاولات تحويل الأزمة من أزمة حصار وتجويع وتنكيل من الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني إلي أزمة قيادية فلسطينية تحل بتنازل هذا الطرف أو ذاك عن قيادته للشعب، أو تحل عبر تشكيل إطار قيادي جديد يشارك فيه الجميع، فقد حسمت هذه القضية في صناديق الاقتراع بتاريخ 25/1/2006 واستندت حماس إلي قاعدة تؤهلها لقيادة الشعب الفلسطيني ، ولم يعد مجدياً العودة إلي هذه الشعارات التي كانت تطرح في وقت غابت فيه الممارسة الديمقراطية وجري التشكيك في مسالة الشرعية القيادية.

• قيام جميع القوي السياسية دون استثناء بتطمين الجماهير الفلسطينية علي مستقبلها، واستيعاب بعض القوي بان الجماهير وبرنامج الحكومة قد وضعها في موقع المعارضة السياسية وعليها القبول بهذا الموقع لحين إجراء انتخابات أخري علي أن تعمل هذه القوي بروح المعارضة الوطنية وان تبتعد عن كافة أشكال التعصب المقيت الذي رفضه الشعب باستمرار، أو محاولات البحث عن مكان داخل أروقة صنع القرار.

• القيام ببعض المبادرات الشعبية وتشكيل لجان قطاعية مشتركة " زراعية، صحية، عمالية، وغيرها" من وزارات ومنظمات أهلية وتجمعات شعبية بهدف تخفيف الأزمة وتدعيم الصمود وتقديم يد العون للمتضررين من أبناء الشعب الفلسطيني وإحياء الجهد التطوعي في الأراضي الزراعية وتقديم الفحص والعلاج المجاني ويمكن الاستفادة بالكثير من تجارب الشعب الفلسطيني إبان انتفاضته الأولي عام 1987.

• الاستفادة من جهد رجال الأعمال الفلسطينيين وبعض المؤسسات الفلسطينية التي قدمت ومنذ وقت قريب بعض المبادرات بهدف استثمار رأس مال فلسطيني في الداخل يحد من الأزمة الاقتصادية الخانقة، ويدعم السلع الأساسية مالياً باتجاه تخفيض الأسعار.

• التوقف عن بعض اللقاءات المثيرة للشك مع المبعوثين الامريكين في المنطقة والتي تثير العديد من التساؤلات خصوصاً في ظل المقاطعة التي تقودها أمريكا علي الحكومة الفلسطينية.

ثانياً: علي المستوي الخارجي

• قيام الحكومة الفلسطينية ومؤسسة الرئاسة بعملية دبلوماسية واسعة بمساعدة كل الحكومات الصديقة للشعب الفلسطيني بهدف شرح الموقف الفلسطيني وتجنيد الدعم السياسي والمالي للشعب الفلسطيني وهنا لن يكفي التحركات التي يقوم بها وزير خارجية السلطة الوطنية بل يجب أن تستند إلي خطة تشارك فيها السفارات الفلسطينية في الخارج ومنظمة التحرير وجامعة الدول العربية وقد يكون من المفيد في هذا المجال التوجه إلي الجمعية العامة للأمم المتحدة.

• قيام القوي السياسية التي حسمت دورها في موقع المعارضة الوطنية بتحرك علي المستوي الشعبي العربي والدولي بهدف تفعيل التضامن مع الشعب الفلسطيني وأيضاً لتجنيد الدعم المالي للشعب الفلسطيني، ولا شك بعض القوي السياسية قد قدمت إسهاماً في هذا المجال ينبغي تطويره والبناء عليه مع الاستفادة من الدور الذي قد تلعبه الجاليات العربية والفلسطينية في المجتمعات المختلفة.

وأخيراً يبقي تماسك الشعب الفلسطيني بخيارته الديمقراطية ورفضه الدائم للركوع أمام أي مخططات تصفوية هو خط الدفاع الأول والمتين عن كرمته وحقوقه الوطنية، وسيسقط أي محاولات لكسر الإرادة.