لا أؤمن اطلاقا بنظرية المؤامرة، ولكن للأسف، لا استطيع ان اؤكد نفيها. ومع انني غامرت في السفر باكرا، فإني تحاشيت كل عمري ان اخطو على طريق لا اعرف نهايته، او انضم الى جمعية او حزب او ناد، لا يكون فيه قرار نفسي لي وحدي. وحاولت ان اتحاشى، على نحو مرضي، كل ما هو على شيء من الغموض او تدور حوله التساؤلات. ولم يكن استاذي في ذلك افلاطون، بل جدتي، التي كانت تكرر بضعة امثال اتصلت اليها من جدتها، واهمها المثل القائل «الباب الذي تدخل منه الريح، اغلقه واسترح».

وقد طبقت هذا الموقف من الناس والقضايا على نوعية مطالعاتي. فقد دفع الي احد اعمامي مبكرا كتب ارسين لوبين واغاثا كريستي وشارلوك هولمز. ولم يكن، رحمه الله، قد قرأ سواها. لكنني منذ سن الحادية عشرة ختمت الأدب البوليسي واكتفيت ببعض الأفلام المشوقة. غير ان الاضطرار يحكم، ان لم يكن بدافع الفضول الشخصي، فبسبب الضجيج الذي يثار احيانا حول ظاهرة جديدة من ظواهر القضايا الغامضة.

هكذا، على سبيل المثال، قرأت كتاب دان براون «شيفرة دافنشي»، بعد صدور طبعات كثيرة منه، وبعدما قرأه ابني، وقال لي انه «يستحق اضاعة شيء من الوقت». قرأته بمتعة غريبة برغم قناعتي المسبقة بأن كل كلمة فيه خيال وكذب. لكنني اعتبرت الكتاب رواية خيالية مثيرة لا وثيقة خطيرة، وفي هذا الباب كان مثيرا. وذات مرة قلت للأستاذ عبد الرحمن الراشد ان احد الكتاب يعتدي على الحقائق والتاريخ ومحاسن الموتى، فأجاب: «انه يقرأ للسلوى. ولن يكلف أي باحث عن الحقيقة نفسه الاعتماد على كلمة مما يقول».

دفعني الى كتابة هذه السلسلة، انني على غير عادة، قرأت كتابين دفعة واحدة عن ما سمي «انجيل يهوذا». وهو نص قبطي عثر عليه في مصر وأعيد ترميم اوراقه واسطره. ولم ينته الترميم الذي استغرق نحو 30 عاما من العمل المثابر والشاق. ولكن ما تم ترميمه يكشف صورة جديدة للمسيحية كما تعلمها الكنيسة حتى الآن. ويغير تغييرا جوهريا في صلب الايديولوجيا المسيحية، وهي ان يهوذا الاسخريوطي لم يخن عيسى بن مريم ولم يبعه بثلاثين من الفضة لليهود، وانما سلمه اليهم بناء على رغبته.

الى اللقاء.