الغد

الولايات المتحدة لا تحاول حصار سورية، او تطوير المعارضين لإستراتيجيتها .. والإدارة الأمريكية النشطة هذه الأيام داخل المنطقة تعرف أن إستراتيجيتها في الحرب الاستباقية تشكل محرقة "اجتماعية" وليس "سياسية".

عمليا فإن مفهوم الحرب الاستباقية ليس مصطلحا امريكيا وهو معروف ضمن الاستراتيجيات العسكرية، وأفضل من مارسه إسرائيل التي استطاعت كسب الحروب عبر هذه الاستراتيجية، لكن علينا عدم خلط الاستراتيجية الأمريكية الحالية بأي شيء سابق لها لسببين:
  الأول أن الولايات المتحدة أقامت هذه الاستراتيجية على أرضية من النقاش والخلاف مع الدول الثماني الكبار. فهي لم تمارسها كآلية عسكرية بقدر اعتمادها عليها كأرضية لرسم باقي الاستراتيجيات المتعلقة بالثقافة الاجتماعية.

  الثاني ان الولايات المتحدة ركزت هذا المفهوم على صورة أحداث الحادي عشر من أيلول. وبمعنى أدق، إذا كان النظام الدولي أتاح تسهيلات "العالمية" وتمكن عبر شبكة الاتصال من التحرك بسهولة اكبر، فإن الحرب الاستباقية تستهدف هذه التسهيلات، ليس عبر تقييدها بل عزلها عن الثقافات القائمة على مفاهيم سابقة للعولمة. وبهذا الشكل يتم تطويق "الآخر" المعادي فوق جغرافية واضحة ومحددة.

الولايات المتحدة وفق مفهومها للحرب الاستباقية تعرف انها تستهدف مجتمعات وليس نظما سياسية، وهي مستفيدة من تجربتي الحصار على العراق وليبيا تسعى لإنهاء مفهوم "الحصار" التقليدي، عبر تقييد الثقافات "غير المرغوب فيها". وهي تعرف أيضا ان هذه السياسة لا تصل إلى العزلة بل تشجع التطرف، وتحاصر أي ثقافة جديدة تظهر عبر النسيج القديم المستهدف.
ما نفهمه من الآلية الأمريكية للمحافظين الجدد ليس تطويقا سياسيا، بل اعتقال ثقافي .. بحيث نبقى في نقطة واحدة ويستهلكنا التطرف .. وهنا فإن الرهان داخلنا وليس في واشنطن .. والقدرة على امتصاص النتائج أو إحداث التغيير الثقافي هو شأننا وليس مهمة أمريكية ينفذها المارينز لفرض "الديمقراطية