ليس بالضرورة التحدث عن العراق حتى نستطيع إيجاد نقاط من التواصل في الأزمة، أو حتى رسم خارطة جديدة لـ"شرق أوسط" متعب بطريقة تفكيره. فإذا كانت التحليلات تحدث اليوم عن أشكال من التبدل، فإننا نستطيع أن نحدد مساحة لا يمكن الاستهانة بها من المظاهر التي باتت تشكل صورة لا نستطيع الهروب منها.

وبالطبع فإن الحرب على العراق ليست السبب بل "المسار" المعبر عن واقع مستمر منذ الاستقلال، وربما أبعد من ذلك، لأن التفكير يتجه نحو ما يربطنا بـ"الوهم" أو "العظمة" في زمن تبدو فيه الأهمية للقدرة على التوازن ولهيبة "الاستقرار" ... ففي عالم رحل فيه الكبار غربا لم يعد ممكنا إعادة صياغة الشرق القديم على احلام سرجون أو خالد بن الوليد أو هارون الرشيد، وأصبحت الصورة الأقوى هي للسلطان سليم "الفاتح" .... لأن انتصاراته العسكرية هي نهاية مطاف جولة من التاريخ، وإعادتها على نفس السياق ليست مستحيلة بل افتراضية لأبعد الحدود.

والمسألة ليست تذكيرا ... إنها وضع "فواصل" على جمل تاريخية تشكل اليوم سيرة حياة الشرق الأوسط. ويبدو أننا نقرأ التاريخ أو القصة كقطعة واحدة وبنفس واحد دون توقف، فنرهق أنفسنا وتفكيرنا، بعد أن أبعدنا "الفواصل" القادرة على تركنا في مساحة "الفهم" أو حتى "المعرفة".

حياتنا نص مطول دون معترضات ... والتاريخ الذي نحلم به يقع أيضا باستطرادات لا متناهية ترسم الملل على الوجوه أو حتى البلاهة أمام مستمعين لا فرق عندهم بين سيرة الزير أو عنترة أو حتى "أينشتاين" ... فالكل يتفق مع الرواية التي نغرق فيها كنص بلا فواصل.

ومن العراق إلى فلسطين رواية بلا فواصل أو حتى فوارق لأن مسيرة الدم تقف على أكثر من ألف قتيل في بغداد وحدها ... ولا حاجة لإحصاء مساحات الموت التي تمتدد طولا وعرضا بتشكيل تراثي أو حداثي على شاكلة "المحافظين الجدد". وعندما نحاول من جديد تشكيل الرواية فإننا نجد قدرة على خلق "حذف" جديد لأي مساحة تساعد على التفكير.
لم تعد المشكلة اليوم في احتلال العراق، أو حتى في "القضية الفلسطينية" لأن الشكل هو سيد الموقف في رؤيتنا لأنفسنا أو لثقتنا بأننا نملك حقوقا قادرين على التعبير عنها والدفاع عنها بأساليب مختلف، فالمشكل أننا نتعرض للاعتداء كي نفكر بنفس طريقة المعتَدين!!!