انتهت القيادة السورية أخيرا من وضع مسودة نهائية لمشروع قانون الأحزاب، ويُفترض بهذا القانون أن يسمح للمرة الأولى منذ تسلم حزب البعث السلطة عام 1963 بتنظيم التعددية السياسية في البلاد. وفي الوقت ذاته أصدر مجلس الشعب السوري قراراً بتشكيل لجنة لإعداد مشروع قانون جديد للانتخابات التشريعية والبلدية.

يكفينا أن نلحظ ما آلت إليه مسودة مشروع قانون الأحزاب لندرك ما سيؤول إليه قانون الانتخابات المرتقب، فالمسودة النهائية لقانون الأحزاب لم تحصل على الموافقة في اجتماع القيادة المركزية للجبهة إلا بعد إلغاء فقرة تجيز (تداول السلطة) بين الأحزاب، فقد شكل البعثيون ومعهم بعض أمناء أحزاب الجبهة غالبية عظمى رفضت تمرير المشروع بدون حذف هذه الفقرة، والحجة كانت وستظل كما هي (مخالفة الدستور السوري) باعتبار أن الفقرة الثامنة من الدستور تنص على قيادة (حزب البعث للدولة والمجتمع)، والملاحظ أنه لم يوجد بين أحزاب الجبهة من توقف عند موضوع تداول السلطة باستثناء واحد فقط هو الشيوعي (جناح يوسف فيصل)؟

وانتهى النقاش بنتيجة متوقعة.

ويبقى السؤال: ما جدوى قانون أحزاب بدون إجازة تعددية السلطة؟ وإلى متى ستبقى هذه العقدة الدستورية التي يتمسك بها البعثيون منذ 40 سنة؟

كما ان مسودة القانون اشترطت على الأحزاب المتقدمة بطلب ترخيص تقديم لائحة بـ 2000 منتسب على الأقل، وهل يمكن لمعظم أحزاب المعارضة السورية بعد عقود من حظر النشاط السياسي وانتشار ثقافة الخوف من الحصول على تواقيع 2000 منتسب، هذا يعني (بعد استثناء الأحزاب القائمة على أساس ديني أو عرقي وفقاً للقانون) أنه لا يوجد في سوريا من هو مؤهل للحصول على ترخيص أللهم إذا استثنينا حزبين فقط قد تكون لهما حظوظ في الترخيص، وهما السوري القومي الاجتماعي (الانتفاضة) وأحد التنظيمات الناصرية الذي يحمل اسم الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ويرأسه حسن عبد العظيم.

هذا إذا تناسينا إشكالية أن البرنامج الذي سيقدمه السوري القومي (الانتفاضة) لأجل الترخيص سيكون متطابقاً مع البرنامج الذي يملكه السوري القومي الموجود ضمن الجبهة.

ويبدو ان مُعدّي القانون، ومنهم أمناء في أحزاب الجبهة، أغفلوا ان معظم أحزاب الجبهة لا تضم 2000 منتسب (بعد استثناء البعث، السوري القومي، الشيوعي، الشيوعي) لكن الأمر لا يهم واضعي القانون فهم مُرخصون وفقاً لقانون الجبهة.

أما فيما يتعلق بدخول الأحزاب التي ستُرخص إلى الجبهة فتنص مسودة القانون على أن الأمر مفتوح للأحزاب التي توافق على ميثاق الجبهة وهذا يعني ضمنا أن الجبهة قائمة لا محالة وأنها ستظل تمتلك الغالبية العظمى في دوائر الدولة التشريعية والتنفيذية.

وما ينطبق على قانون الأحزاب ينطبق على قانون الانتخابات، فالملاحظ أن الغالبية من أعضاء اللجنة المكلفة دراسة قانون الانتخابات هم من حزب البعث أولا وأحزاب الجبهة ثانياً، وهذا يعني حكماً أنهم سينتجون قانونا يتناسب مع مصلحتهم فقط بغض النظر عن حاجات أحزاب المعارضة (خارج الجبهة)، أما أهم مقترحات القانون الجديد فهو إجراء الانتخابات على أساس نسبي واعتبار سوريا دائرة انتخابية واحدة، وهنا المصيبة الكبرى، فأي من الأحزاب خارج الجبهة قادر على تغطية سوريا كلها انتخابيا، حكما لا يوجد أي حزب يمتلك هذه القدرة، وبات في حكم المؤكد ـ في حال إقرار هذا الاقتراح ـ أن الأحزاب التي تراهن على تيار شعبي موال لها في مناطق محددة فشلت في رهانها، فمثلا التيار الموالي للحزب السوري القومي في قرى «تلكلخ» و«صافيتا» وبعض قرى حماه سيكون مؤثراً على نتائج الانتخابات في محافظات حمص وطرطوس وحماه، لكنه لن يمتلك أي أثر على مستوى سوري وكذلك الحال بالنسبة للتيار الموالي للاشتراكيين العرب في حماه، وهكذا لن يوجد منافس لحزب البعث والأحزاب المتحالفة معه في الجبهة.

أما الاقتراحات الأخرى فرغم جماليتها وحاجتنا لها لكنها مستحيلة التطبيق، كيف سيطبق إشراك قضاة ومراقبين مستقلين للإشراف على الانتخابات؟ وهل توجد قبل طرح هكذا أمر آلية لاستقلالية القضاء السوري وجميعنا يعرف تبعيته لجهات حزبية وأمنية محددة ؟

أما اقتراح إلغاء ظاهرة المال السياسي وتحديد الإنفاق الانتخابي، فهل نجحت كل المحاولات في سوريا لإلغاء الفساد المالي في أصغر دوائر الدولة حتى تنجح محاولات إلغاء المال السياسي؟

والغريب في الأمر أنه لم يوجد من يذكر أو يتذكر اقتراح إلغاء ما يسمى بالصناديق الجوالة التي تصل مراكز فرز الأصوات من جهة مجهولة في اللحظات الأخيرة من عمليات الفرز لتتسبب بنجاح المطلوب نجاحه وهزيمة المطلوب هزيمته، ففي حال بقيت هذه الصناديق فالنتيجة محسومة سلفاً سواء كانت انتخابات على أساس النسبية أو على أساس الانتخاب الفردي في دوائر انتخابية، وسواء كانت سوريا دائرة انتخابية واحده أو قسمت لمحافظات.

وأخيراً يبقى الأمل الوحيد المتاح حاليا هو انتخابات الإدارة المحلية حيث ان مؤشرات القانون الجديد لانتخابات الإدارة المحلية، الذي يتم إعداده بالتعاون مع البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة، تدل أنه سيؤدي عمليا إلى انتخاب حر لأعضاء المجالس البلدية بعيدا عن التعيين والقوائم المغلفة بالتزامن مع اتخاذ خطوات نحو اللامركزية.