حين تتداخل وتتمازج وتختلط وتتماهى الاسطورة بالتاريخ تُصبح الحقيقة ­ في حال وُجِدَتْ­ نوعاً من الحكاية القابلة للتصديق والتكذيب في آنٍ واحد. وعلى مدى حِقَبٍ عدَّة حَفَلَ تاريخنا بمختلف انواع القصص الخيالية, والروايات الغرائبية والأساطير العجيبة, التي تحوَّلت مع الزمن الى نصوص مكتوبة تُقْرأ وتُروى بقصد الاستفادة من دلالاتها, والاتعاظ بها من خلال رموزها, والتأمُّل والتفكر بالمغازي والحِكَمْ, التي تحملها أو تشي بها بشكلٍ أو بآخر.

وهكذا, فقد حُكِيَ أن رجلاً قاسي القلب, غليظ الطباع, طاغية من الطراز الأول أمسَكَ بالسلطة وبكلِّ وسائل الأمر والنهي, وكافة أدوات الحل والعقد والربط, اسمه «النمرود». هذا الاسم المميَّز لم يكن سوى لقبٍ أطلق عليه لفظاظته وثِقَل دمه.
وتقول الحكاية في ما تقول ان هذا «النمرود» صَمَّمَ يوماً على القيام بعمل يكون الأول من نوعه في ذلك الزمان الغابر, فأصدَرَ أوامره الصارمة المبرمة التي لا تُرَد, للبدء ببناء برج عملاق, بهدف «خَرْق» السماء!!

باشر المهندسون وضع التخطيطات, وفتحوا مع آلاف العمال ورشة إعمار «عمودية», سُخِّرَتْ لها كل القوى والإمكانات البشرية والمادية للوصول الى أقصى ارتفاع عن الأرض. ولمَّا كان هذا القرار جهنميّاً, ومنطلقاً من فكرة «هَتْك» حُجُب السماء, والتطاول الأرعن على مفهوم الألوهية آنذاك, فقد حَكَمَ الله­ كما تكمل الحكاية­ على «النمرود» بعقاب شديد, فابتلاه بطنين هادر وضجيج هائلٍ متواصل في أذُنيه! لا يتوقف ولا يهدأ, ولا يستكين, إلاَّ في حال ضُرِبَ بعنفٍ على رأسه بالنعال!!!

وكان, اذا توقَّف الضرب­ ولو للحظة واحدة­ يعود الطنين المرعب الى أذنيه كعاصفة هوجاء تخترق كل دماغه!! لذلك, كان يرجو ويتوسَّل الجميع من افراد حاشيته نساء ورجالاً بأن يضربوه دون انقطاع, وعلى مدار الساعة!! وحتى أثناء تناوله للطعام, أو ذهابه الى «محاولة» النوم, أو حتى خلال قضاء حاجاته وجميع مقابلاته!! ولهذا, كان لزاماً وضرورة أن يتجنَّد الكثيرون للضرب على اساس أن «سفق» الصرامي يجب ألا يتوقَّف!
وصَدَرَ قرار «سلطوي» الى عموم افراد الشعب بالمشاركة في الضرب, واعتبر هذا العمل واجباً وطنياً, لأنه يحافظ على راحة ورَغَد الحاكم النمرود! وكل من يتقاعس عن اداء الواجب يتعرَّض للملاحقة القانونية ولأقصى العقوبات!

وبنتيجة هذا القرار, أصبح البلد بحاجة ماسة الى «صرامي» اكثر! بخاصة حين لم تستطع المعامل المحلية «تلبية» ازدياد الطلب عليها! فَفُتِح باب الاستيراد على مصراعيه, وتَدَفَّقَت الصنادل والنعال, وامتلأ البلد وغرق بالشحَّاطات والشواريخ والخفَّافات والحفَّايات والمداسات والجزمات والبساطير...!!

وهكذا, وبعد سنوات, توقَّف بناء «البرج» العتيد, وقضى النمرود نَحْبَهُ رمياً بالصرامي!!!
وعبر القرون, تغيَّرت الأحوال, وتبدّلت السلطات, إلا أن الخوف من «الطنين» المرعب بقيَ مسيطراً ومهيمناً على العديد من «الولاة» والممسكين بزمام السلطة, حيث لا علاج ولا دواء ولا لقاح يردع ويصدّ هذا المرض, سيما وأن الشعوب اصبحت بمجملها «حافية»!!
أخيراً, أُهدي «صرامي»!­ عفواً­ سلامي, الى كل العَرَبْ «الحفاة»!!