«رأوا حجاراً يركب حائطاً قالوا: إلى أين يا حجار؟ قال مسافر. قالوا: من كانت مطيته هذه لا يشرّق ولا يغرّب». من قرأ ما نشرته صحيفة «الثورة» على لسان رئيس الحكومة محمد ناجي عطري, في حوار «السقف المفتوح» حول سياسة حكومته الإصلاحية, سيعلم علم اليقين أن مواطننا الطامح إلى اختراق الآفاق, لن يشرق ولن يغرب, بل مكانك راوح, إلا إذا كان الالتفاف في المكان كما الزمبرك, وحفر المواطن بقدميه إنما يغمق له قبراً على الواقف بطول قامته الشماء.

تحت السقف المفتوح تحدث رئيس الحكومة بوجهه السمح وابتسامته المتفائلة, وطمأننا على المستقبل, إلى ما بعد الخطة الخمسية العاشرة وحتى الحادية عشرة, واثبت خطأ ظننا بأن السقف مفخوت, إذ ما يهطل علينا لم يكن دلفاً, بل مطراً والسقف مفتوح. وهو بالفعل مفتوح على آخره لخيال يرسم صورة سوريا بعد ثمانين عاماً.

قال رئيس الحكومة, وأكثر في القول بكل ما أوتي من سينات وتسويفات, وكل سين أو سوف أطول من عقد وربما من قرن, أما الحاضر الذي أراد الزملاء الإعلاميون ممن حضروا الندوة أن يصلوا إليه, فكان يحيل إجاباته, إما إلى الماضي الغائب أو إلى المستقبل المقبل. فإذا سألت زميلة عن الخدمات المفتقدة في الضاحية التي تسكنها, قال: «لا يوجد لدى الدولة صندوق مال المسلمين تمد يدها عندما تحتاج» و«الخدمات تمول من البلديات, ادفعوا للبلدية تحسن لكم الخدمات». ثم يوضح «عندما تصدر قرارات زيادة الأجور بنسب قليلة فهذا يعني أنها جاءت بناء على دراسات معمقة وواقعية بهدف التوفيق بين المشاريع وتنمية الموارد والزيادات».

ففهمنا بدورنا, أن إي زيادة في الرواتب لا بد أن تأتي من حساب التنمية والخدمات, وبمعنى أشد وضوحاً أن حال الخدمات سيتراجع طرداً مع تقدم زيادة الرواتب التي وعدت, أو ربما توعدت بها الحكومة الناس, بأن زيادات الرواتب متوالية ولن تتوقف. ربنا يستر. فأحياء زنار المخالفات التي تصلها الماء والكهرباء في المناسبات لا بد من أن تصرف النظر عنها نهائياً, ومن يحلم بتزفيت الشارع المار أمام بيته ليستبشر, ستصبح حياته كلها «زفت» ما عدا ذلك الشارع. أما من يسول له الحلم أن يزين عمال النظافة صباحاته, فمن الأفضل أن يغط في سبات شتوي طويل, أو يفطس فيرتاح ويريح حكومتنا من تناسل غير محسوب بناء على دراسات معمقة وواقعية, إذ فيما لو بقي التكاثر على حاله سيهدد سوريا بانفجار سكاني بعد ثمانين عاماً وفق حسابات رئيس الحكومة التي بنت حساباتها بالاستناد إلى احتمال بقاء سكان في سوريا , إذا لم يطفشوا الى بلاد الواق واق, لتحسين حال استعصى حتى بدا وبال. وإذا بقي كلام لنا, فنحن نقول: ليس لأن حكومتنا ليس فيها بيت مال, بل لأن بيت مالنا كيفما أتيته ستجده مبعوجاً. ولأن رئيس حكومتنا يحيرنا عندما يعدنا بأن الدعم إذا تم رفعه سيوزع على المواطنين, ولا ندري كيف سيوزع ترى «كمشة عرب» لكل مواطن, أي بضع ليرات مع الرغيف, أم سينفق على زيادة الرواتب؟ فإذا كان الاحتمال الأخير فإن المستفيدين منه هم الموظفون في الدولة وتعدادهم مليونا موظف, كما ورد في كلام عطري, وهو الرقم الأعلى في العالم العربي, ماذا عن الستة عشر مليون مواطن كيف يصلهم حقهم من مال الدعم المرفوع؟!

لا داعي للقلق, فقد حققنا الأمن الغذائي, وبتنا نصدر القمح بعد ان كنا نستورده, وننافس بإنتاج الزيت والزيتون, وهكذا إذا صار مجاعة لن نأكل «حشكو» وهو لمن لا يعرف, خبز شعير معجون بالجرير, مأكول أجدادنا أيام مجاعة السفربرلك. إذاً لن نأكل حشكو لأن رئيس حكومتنا سوف «يعشينا» خبز وزيت و«يغدينا» بطاطا, حسب تخطيط الخبير الاقتصادي حبيب الشحرورة التي تعشق بساطته, وعا البساطة البساطة وياعيني عا البساطة.

بناء على ذلك ليس أمام الحكومة سوى حل واحد هو التخلص من الستة عشر مليون بني آدم, والإبقاء على المليوني موظف, ثم عليها طرد كل مشتبه في تورطه بالبطالة المقنعة, ليتولاه إما رب عمل خاص أو قابض أرواح كريم يأخذه, وهكذا يتم ترشيق الجهاز الوظيفي, وحل أزمة السكن والسكان والتنمية والغذاء وحتى الهواء, كحل أمثل للدولة المعاصرة. أما كيف تتخلص الحكومة منهم, فلن تحتار, ما عليها سوى الاستمرار بسياسة تخبط الأسعار, والتلكؤ بمكافحة البطالة, وعرقلة مشروع الإصلاح وغض الطرف عن الفاسدين الى يوم الدين, وعندها لن يبقى في هذه البلاد إلا كل ذي عمر طويل وعقل عليل وذي قلب كليل, وحسبنا الله ونعم الوكيل.