الديار
التداعيات على لبنان خطيرة وأكثرية 14 شباط تعيش مأزق الحكم
سقط المشروع الأميركي الاسرائيلي لإقامة الشرق الاوسط الكبير وفق المخطط الإسرائيلي، مع ان المنطقة العربية لم تنجُ من الآثارالسلبية لهذا المخطط الأميركي الإسرائيلي.
ذلك ان الشعب العراقي دفع ثمناً كبيراً نتيجة الاحتلال الأميركي، وبدا العراق شبه مقسم، كما ان الشعب الفلسطيني دفع اقتطاعاً لأراضيه عبر الجدار العنصري العازل الذي أقامته اسرائيل في أراضي فلسطين.
كما ان سوريا جرت محاولة إخضاعها عبر عقوبات وحصار من قبل أميركا هادف لإخضاعها للهيمنة الأميركية الإسرائيلية على المنطقة.
أما سقوط المشروع الاميركي الإسرائيلي لإقامة الشرق الأوسط الكبير فقد نتج عن العناصر التالية :
1ـ تحرير الجنوب اللبناني والبقاع الغربي بفعل مقاومة حزب الله، وهو ما أدى الى انسحاب اسرائيل من الاراضي اللبنانية إلى خط الانسحاب المعروف بالخط الازرق، مما شكل هزيمة للجيش الاسرائيلي واعطاء معنويات للمقاومة اللبنانية والمقاومة الفلسطينية والمقاومات في المنطقة، إذ أن نجاح المقاومة اللبنانية في وجه أقوى الجيوش في المنطقة عدة وتسليحاً اعطى معنويات وأملاً كبيرين لكل مقاومة في المنطقة العربية، لأن القدرة على التحرير موجودة وقد ظهرت نتائجها في لبنان بإرغام الجيش الإسرائيلي على الانسحاب تحت ضربات المقاومة.
2ـ تدهور أوضاع الجيش الأميركي في العراق والجيش البريطاني والقوى التي احتلت العراق، وسحب عدة دول لجيوشها من القوة المتحالفة لاحتلال العراق.
كما ان ضربات المقاومين العراقيين كل يوم للجيش الاميركي والخسائر التي ألحقوها به أدت الى ارتفاع المعنويات العربية، بعدما شعرت المنطقة بوطأة الاحتلال الاميركي في قلب المنطقة العربية وبالتحديد على بلد مثل العراق بحجمه وعدد سكانه.
3ـ عدم خضوع سوريا للضغوطات الدولية وقيام قيادة الرئيس بشار الاسد برفض الخضوع لشروط اميركا التي جاء بها كولن باول.
كما ان الثوابت التي حافظ عليها الرئيس بشار الاسد في سياسة سوريا العربية والإقليمية انتصرت، وهو ما ظهر فعلا على الارض، فسوريا التي وقفت ضد الحرب على العراق من حيث المبدأ، وحذرت من التفاعلات الخطيرة، جاءت الاوضاع في العراق على الارض لتؤكد صحة رؤية الرئيس بشار الاسد للأمور.
كما ان مطالبة اميركا للرئيس بشار الاسد بقطع علاقاته مع حركة حماس وطردها من سوريا وهو أمر رفضته سوريا بقيادة الرئيس بشار الاسد ملتزمة بالعلاقة الاخوية والسياسية والاعلامية مع حركة حماس واعطائها مكاتب على هذا الاساس جاءت الايام لتؤكد صحة رؤية الرئيس بشار الاسد والقيادة السورية للأمور ايضاً.
إذ أن الشعب الفلسطيني لاحقاً قد اختار بأكثرية ساحقة حركة حماس لتمثيله في المجلس التشريعي الذي انبثقت عنه الحكومة الفلسطينية الجديدة بقيادة حركة حماس.
4ـ انتصار حركة حماس في فلسطين واختيار الشعب الفلسطيني لها كقيادة تمثله، مما اكد على المقاومة الفلسطينية في وجه الاحتلال الاسرائيلي، وهو امر جعل الرهان على اميركا والتحالف معها رهاناً خاسراً، واكد على أحقية الشعب الفلسطيني في المقاومة لاقامة دولته.
5ـ سقوط القوى المتحالفة مع أميركا في المنطقة، سواء في العراق أم في فلسطين ام في لبنان ام في المنطقة العربية كلها.
ففي لبنان مثلا، وجدت اكثرية 14 شباط نفسها المدعومة من واشنطن وباريس غير قادرة على الحكم خارج الثوابت اللبنانية والعربية، مما جعل السياسة الاميركية التي تطالب بتحييد لبنان عن الصراع العربي الاسرائيلي في مأزق، وبالتالي سقطت الرهانات الاميركية في المنطقة.
6ـ انتصار الجناح الايراني الرافض الخضوع للشروط الاميركية والمرتكز على بناء قوة ايران وجعلها ثقلاً كبيراً في المنطقة، والداعم للقوى العربية الرافضة للاحتلال الاسرائيلي والرافضة للسير في ركاب اميركا.
وهنا يمكن القول ان واشنطن واسرائيل واوروبا وجدت نفسها عاجزة عن اقامة الشرق الاوسط الكبير الذي تريده عبر حلفائها في المنطقة.
7ـ سقوط الحكومة الاسبانية التي اشتركت في الحرب في العراق ومجيء حكومة اخرى سحبت الجيش الاسباني من العراق.
8ـ سقوط برلسكوني في ايطاليا ونجاح رومان برودي المعارض لاشتراك ايطاليا في الحرب على العراق وقراره بالانسحاب.
9ـ المأزق الذي يعيشه طوني بلير في بريطانيا واعترافه بضرورة الانسحاب بسرعة من العراق، وبأن المشكلة الحقيقية هي حل المشكلة الفلسطينية في الشرق الاوسط قبل غيرها.
10ـ المأزق الذي يعيشه شيراك داخل فرنسا، خاصة بعد تقاربه مع اميركا في قمة النورماندي وتراجع شعبيته وشعبية الموالين له.
11ـ الازمة التي يعيشها الرئيس بوش داخل اميركا وتدني شعبيته بشكل واضح، وقيام التظاهرات ضد الحرب في العراق واحتلاله، والتي تطالب بانسحاب الجيش الاميركي بسرعة.
12ـ ظهور حزب كاديما الجديد في اسرائيل وعدم استطاعته الانطلاق بسياسته دون حزب العمل، مع العلم ان حزب الليكود والاحزاب الدينية الاسرائيلية تراجعت في الانتخابات الاسرائيلية الاخيرة، لذلك فإن سياسة اسرائيل تبقى عدوانية واستيطانية، الا انها في مأزق القيادة الذي تعيشه دون وجود قيادة قوية لتجميع الاسرائيليين على خط يعطيهم الاطمئنان، وما ظهر من احصاءات في اسرائيل عن تخبط اجتماعي ونفسي بشأن مستقبل اسرائيل في المنطقة.
13ـ بروز تصريحات داخل اميركا خاصة تقول بأن انحياز اميركا لاسرائيل بهذا الشكل ودعمها لها جلبا كوارث على السياسة الاميركية ومصلحة الولايات المتحدة الاميركية.
كما ان الاصوات الاوروبية ضد السياسة الاميركية بدأت تزداد.
في ظل هذه الصورة، يبدو لبنان في بداية تغيير الخريطة بداخله، وتبدو الاكثرية المدعومة من اميركا الى تراجع.
كما ان هذا الامر حصل في فلسطين، وكذلك حصل في العراق، والضغوطات الاميركية على ايران لن تجدي نفعاً، وبالتالي فإن الانظمة العربية الموالية لاميركا تعيش ازمة مع شعوبها.
ومن هنا اذا عدنا الى كتاب شيمون بيريز الذي تحدث فيه عن الشرق الاوسط الكبير والذي تقوده اسرائيل مع انظمة عربية متحالفة مع واشنطن يظهر لنا ان مشروع الشرق الاوسط الكبير قد سقط، بدءاً من بيروت مروراً بفلسطين ومروراً بدمشق التي صمدت على سياستها الرافضة للهيمنة، مروراً بالعراق المقاوم، وصولا ًالى طهران، وحتى تركيا التي لا تجاري السياسة الاميركية حالياً.
التداعيات لسقوط الشرق الاوسط الكبير وسقوط السياسة الاميركية ستظهر على الساحة اللبنانية اكثر، وستجد نفسها اكثرية 14 شباط يوماً بعد يوم في مأزق، فالسياسة العربية عامة ستكون ضد تطرف 14 شباط ومع العلاقات الطبيعية بين لبنان وسوريا.
كما ان واشنطن وباريس وغيرهما لم تعد قادرة على قلب المعادلات في الشرق الاوسط، وبالتالي فإنها بدأت تبلغ اكثرية 14 شباط يوماً بعد يوم ان املها في هذه الاكثرية قد خاب، وانها غير قادرة على دعمها حتى اقتصادياً، وبالتالي فإن حكومة اكثرية 14 شباط معرضة للسقوط.
ومن هنا نجد ان اكثرية 14 شباط قد خسرت ورقة رئاسة الجمهورية ولم تعد قادرة على اختيار رئيس من صفوفها، ولم تعد قادرة على حماية الحكومة التي تألفت من صفوفها، وبالتالي فإن لبنان امام اشهر يسقط مشروع الشرق الاوسط الكبير فيه، فيما تؤكد القوى اللبنانية الاخرى على وجودها، مع العلم ان المشروع الاسرائيلي ما يزال يراهن على فوضى داخل لبنان من خلال محاولة اللعب على نزاع لبناني سوري، وهو امر سيؤدي بمن يلعب بهذه الورقة الى الكارثة على الساحة اللبنانية.