انتهى عرض عضلات "حزب الله" في التظاهر متزامنا مع اجتماعات مجلس الامن في شأن القرار 1559 الذي طبقت سوريا الجزء الظاهر منه باضطرارها الى سحب قواتها النظامية من لبنان، ولا يزال الجزء الاهم خارج دائرة التنفيذ وهو المتعلق بالتدخلات في الشؤون اللبنانية عبر رفض ترسيم الحدود، واقامة علاقات ديبلوماسية بما يعنيه من اعتراف بالكيان اللبناني المستقل، والاستمرار في تهريب الاسلحة والرجال الى المنظمات الفلسطينية خارج المخيمات وداخلها، واخيرا وليس آخرا تحريض قوى لبنانية تابعة على ضرب مقومات الاستقلال اللبناني والتنسيق في ما بينها.

و الآن، ماذا بعدما اعاد "حزب الله" تذكير اللبنانيين بقدراته التنظيمية الفولاذية التي تقدر ان تحشد مئات الالاف، الى حد يصعب على اي قوة سياسية اللحاق بها فيضطر الحزب الى تعويض الفارق الفاضح بحمل مناصريه على ارتداء الوان الطيف التابع او الحليف؟ ولقد نجح "حزب الله" مرة اخرى، ولكن بحدود معينة، لانه وجد نفسه من الناحية العملية وحيدا في الشارع، وطاغيا ببيئته على التظاهرة الضخمة . من هنا نسأل: ألم يكن اجدى بالحزب الكبير ان يحدّ قليلا من "دفقه" البشري ضنا بالحلفاء، وخصوصا الجدد، شأن مناصري العماد ميشال عون الذين كانوا يوم الاربعاء الفائت كالايتام وسط هذا البحر الهادر الذي شكله جمهور "حزب الله" وآخرين حملوا باللافتات "البشّارية"، و"النجادية"، في وقت كانت الحركة النقابية المستتبعة تجهد لحجز مكان لها وسط مئات الالاف من الذين نزلوا الى الشارع بدعوة من حزب "الاسبارطية" اللبنانية ؟ كانوا ايتاما لان من جازف منهم بالنزول الى الشارع اكتشف انه كان يسبح خارج بيئته الاولى التي قامت في الاصل على "عبادة" صورة الاستقلالي والسيادي والمقاوم للوصاية السورية، وليس على الهتاف لبشار الاسد ومحمود احمدي نجاد وسوريا وايران. والسؤال الم يكن هؤلاء كالأيتام في مأدبة بشار واحمدي نجاد؟ ليس الهدف من هذا الكلام او هذا السؤال الانتقاص من قيمة "حزب الله" ولا من قيمة "التيار الوطني الحر"، ولا حتى الاعتراض على تحالفهما. بل الهدف هو الاضاءة على نجاحات الحزب في الحشد الشعبي، وهي لم تعد في حاجة الى ما يثبتها .

وفي الوقت نفسه، القصد من هذا الكلام تذكير الجنرال ميشال عون بأنه، وان يكن حرا- وهو حر- في عقد التحالفات، وتحرير الوثائق المشتركة مع من يشاء، ليس مع "حزب الله" وحده وانما اذا شاء مع البعث نفسه، فإنه يصعب ان يقنع الناس بأنه لم ينتقل الى موقع الحليف للنظام السوري في لبنان، في ادق المراحل التاريخية التي يعبرها لبنان، اي الاستقلال. ويستطيع قدر ما يشاء ان يقول عن الآخرين وفيهم (وليس كلهم) في تيار الرابع عشر من آذار انهم كانوا حلفاء سوريا واتباعا لها في وقت من الاوقات. لكنه لا يمكنه ان يتهرب من اسئلة في السياسة لم يجب عنها حتى الآن: ماذا يفعل بتحالفه مع جماعات النظام السوري وبعضهم ممن يخجل الانسان ذكر اسمائهم؟ وماذا يفعل اتباعه تحت لافتات بشار الاسد واحمدي نجاد؟ ولماذا لا نسمع له موقفا جديا وحاسما من قضايا مصيرية مثل السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، ومصير سلاح "حزب الله"، والممارسات السورية التي تبدأ برفض العلاقات الدبلوماسية والترسيم في شبعا، وتقضم الارض في عرسال، ولا تنتهي بالاغتيالات والتهديدات، وتوجيه الشتائم الى الاستقلاليين والمسؤولين الرسميين؟ اين موقف عون من القرار 1559 ومن التقرير الذي رفعه تيري رود - لارسن؟ واين موقفه من تهريب الاسلحة الى لبنان؟ واخيرا وليس آخرا وفي الشأن الاصلاحي الذي يركز عليه راهنا نسأل عون رأيه في مغارتي الكهرباء (مليار دولار سنويا) والضمان الاجتماعي؟ وهل لنا ان نسأله عن السر الذي يدفع جميع حلفاء سوريا واتباعها في لبنان من دون استثناء، الى تأييده علنا وجهارا او ضمنا، وباستمرار ومن دون انقطاع، رئيسا للجمهورية؟ هذه اسئلة في السياسة نأمل من عون ان يرد عليها اذا شاء في السياسة، علّه يقنع الناس بأنه لا يستظل حلفاء سوريا واتباعهم في لبنان. "النهار"