في الأيام الأخيرة سجّل خط بيروت ـ دمشق حركة دبلوماسية نوعية في إطار الجهود والمساعي الرامية لخفض درجة التوتر بين العاصمتين. العلاقات الباردة بينهما، شهدت جولة جديدة من التعنيف والتراشق.

ويأتي ذلك عشية اجتماع مجلس الأمن الدولي واحتمال تصويته على مشروع قرار أميركي ـ فرنسي ـ بريطاني، بخصوص تنفيذ القرار السابق رقم 1559. كما أتى في امتداد الحديث عن زيارة كان رئيس الحكومة اللبنانية يعتزم القيام بها إلى سوريا.

وكانت الساحة اللبنانية قد عاشت هي الأخرى مناخات تأزيم، في ظل احتقان سياسي متزايد أخذ تعبيرات مختلفة، تراوحت بين التظاهر المطلبي ـ السياسي وبين السجالات الإعلامية، والمعروف أن الجلسة المقبلة لمؤتمر الحوار، من المقرر ان تنعقد بعد يومين.

وسط هذه الأجواء قام رئيس مجلس النواب اللبناني بزيارة إلى دمشق، التقى خلالها مع الرئيس الأسد. أدرجت هذه الخطوة في باب العمل لترطيب الأمور والتمهيد للقاءات أخرى مماثلة، وعند عودته تحدث الرئيس برّي بانشراح وتفاؤل عن حصيلة مباحثاته.

الأمر الذي ترك حالة من الارتياح. ثم قام من يومين، موفد الرئيس السوداني ـ الرئيس الحالي للقمة العربية ـ السيد مصطفى عثمان إسماعيل، إلى دمشق ثم انتقل إلى بيروت ووضع المسؤولين اللبنانيين في أجواء العاصمة السورية.

ومما ذكره ونقله المبعوث السوداني، أن الجانبين أعربا عن استعدادهما «للتهدئة»، ومن كلامه المشجّع انه نقل أفكاراً من دمشق إلى بيروت، التي كانت محادثاته فيها «إيجابية ومبشّرة».

كما أفصح بأنه «في الأيام القليلة المقبلة ستتم اتصالات عدة بين بيروت ودمشق، نأمل بان تنجح في إعادة الثقة بين البلدين».

هنا بيت القصيد: الثقة. فليس سراً أن هذه الأخيرة شبه مفقودة بين الشقيقين، منذ أكثر من سنة. تآكلت إلى حدّ بعيد وحلّ مكانها التشكيك والارتياب.

الأمر الذي ساهم في شبه انقطاع للتواصل بين العاصمتين، وبقدر ما كان الاتصال يضمر، بقدر ما كان الجفاء تتراكم طبقاته وتتسع بينهما، تبعاً لذلك، فجوة الابتعاد لاشك ان القضايا الخلافية حساسة ومعقدة.

كما لا يوجد وهم بان تفكيكها يلزمه توفر شروط ومناخات وفسحة من الوقت. لكن في الوقت نفسه المطلوب المباشرة في توفير هذه الشروط والتي يأتي على رأسها الإسراع في وقف أو على الأقل لجم التدهور والتراشق والمناكفات الكيدية، بين لبنان وسوريا.

ان وصول العلاقات بينهما إلى ما وصلت إليه، من فتور وعزوف، ربما يكون قد صار حائلاً: لاتخاذ مبادرات مباشرة باتجاه تجسير الهوة، ومن هنا أهمية إحياء التحرك العربي، الذي قام به موفد الرئيس السوداني، لما قد يلعبه من دور ايجابي في التقريب بين الجارين وإعادة إحياء خطوط التواصل المقطوعة، تمهيداً للبدء بعملية الترميم.

لكن الوقت من ذهب. فالدور العربي في سباق مع التحرك الدولي، الذي قد يتمخض عن مواقف أو قرارات من شأنها ان تزيد في تعقيد الأمور وتمدّها بالمزيد من عناصر التأزيم. عند ذاك تحلّ الخسارة بالطرفين اللذين لا بديل لهما من العودة إلى العلاقات الطبيعية بينهما.