انخفاض معدّلات الحياة وارتفاع معدّلات الوفيات خاصة بين الشباب، بسبب عودة الأمراض السارية المنقرضة كالسلّ، والمخدّرات والانتحار والدعارة وأمراضها، وتفشي الفقر على نطاق واسع واتساع الهوّة وتعمقها بين الفقراء والأغنياء، وبروز التمييز بين النساء والرجال كما لم يحدث من قبل، حيث فقدت المرأة في ظل النظم الجديدة، الموالية للولايات المتحدة وحلفائها، مساواتها مع الرجل في الوظائف والأجور، بينما ازدادت أعباؤها المنزلية، إضافة إلى تدهور مستمر في ميادين التعليم، وإلى انتشار البطالة وانخفاض الأجور إلى حدود ومستويات غير عادية!

وإذا تركنا وسط وشرق أوروبا، خاصة يوغسلافيا وما شهدته من أهوال تحت حكم الأوساط الديمقراطية المحلية التي يقودها أجانب سواء في كوسوفو أم في صربيا، وانتقلنا إلى تيمور الشرقية الاندونيسية التي ناضلت نخبها من أجل الديمقراطية وحق تقرير المصير، والتي اقتطعوها في الحقيقة لأنها تحتوي على احتياطي من النفط تبلغ قيمته حوالي عشرة مليارات دولار بأسعار ذلك الوقت، فسوف نجد سكانها يثورون ضدّ إجراءات الإدارة الأجنبية المتخفية بلباس الأمم المتحدة، حيث جعلت تلك الإدارة من إتقان اللغة الإنكليزية شرطاً لنيل وظيفة في الدولة، الأمر الذي أدى إلى استبعاد 99% من الأهالي الذين لا يعرفون هذه اللغة!

ما الفرق بين الديمقراطية والديكتاتورية؟
إن توسع المجتمع العالمي الديمقراطي هو هدف مباشر ميداني يأتي على رأس أهداف السياسة الخارجية الأميركية كما يقول فرنسيس فوكوياما، حيث يعتقد الأميركيون وحلفاؤهم، لأسباب عدّة ليس هنا مجال عرضها، بضرورة إقامة هكذا نظام عالمي ديمقراطي ليبرالي، ويرون أن من يعارض هذا المشروع يجب أن يعتبر شريراً يستحق الموت! لكن الديمقراطية – حسب تعريفها- نظام لا يمكن أن يفرض على أحد أو على بلد تحت أية ظروف، فما يفرض هو الديكتاتورية وليس الديمقراطية التي لا يمكن أن تكون إلا اختيارية، وإذا بالأميركيين يحوّلونها إلى أيديولوجية، وإلى نظام شمولي، ويجاهرون بأن من حقهم فرضها بالقوة المسلحة، ومن دون إيلاء أي اعتبار للحدود السياسية والجغرافية والزمانية والمكانية، فترتبت على ذلك نظرية الحرب الاستباقية ضدّ البلدان الشريرة غير الديمقراطية التي يستحق حكامها العزل والقتل، ولم تعد مهمة التدخل العسكري مقتصرة على ذريعة إيقاف اضطهاد الحكام لشعوبهم، بل تجاوزتها إلى تحقيق الديمقراطية كذريعة لاستمرار احتلال البلدان!
أكثرية بريئة وقلة ضالعة!

لقد جرى التمهيد للتوسع الديمقراطي العالمي بتلك الحملات الدعائية الهائلة التي نظمها الأميركيون وحلفاؤهم وأتباعهم ضدّ استبداد ووحشية السلطات الحاكمة في بلدان الجنوب، وبالطبع فإن مثل هذه التهمة ليست بلا أساس، لكن الأوروبيين والأميركيين لا يستطيعون التنصل من التواطؤ فيها والمسؤولية عنها، الأمر الذي جعلهم يواكبونها بحملات أخرى لتعبئة بعض النخب المحلية في البلدان المستهدفة، وهو ما شاهدناه في بلادنا وقد بلغ ذروته في أواسط عقد التسعينات الماضي، حيث بدأ ظهور المنظمات غير الحكومية التي راحت ترفع شعارات الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان على الطريقة الأوروبية الأميركية، والتي اتضح في أكثر من بلد أن بعضها مموّل من الخارج!

لقد اندفع كثير من الأبرياء وراء هذه الشعارات بنوايا ودوافع وطنية ديمقراطية حقاً، غير أن هناك قلة ضالعة في المشروع الأميركي عن سابق تصميم وتصوّر، ومستعدة لتمهيد الطريق أمام التدخل الأجنبي! وبالإجمال فإن الغالبية تتشكل، ويا للعجب، من أصول يسارية وقومية، من الذين يملكون موهبة الخطابة والكتابة والتواصل الناجح مع أجهزة الإعلام الإقليمية والدولية، وإنه لمن الثابت أن الولايات المتحدة كانت تسعى لاستنهاض مثل هذه التيارات، فنحن نتذكّر تلك الحفلات شبه اليومية المفتعلة التي كانت تنظمها السفارات والمراكز الثقافية الغربية، وتلك الدعوات المتوالية لزيارة الولايات المتحدة التي لبتها أرتال من الأنتلجنسيا المحلية النشطة، وهناك في الولايات المتحدة كانوا يشاركون في ندوات حول مستقبل بلادهم، تساهم فيها شخصيات من قادة المحافظين الأميركيين الجدد، منهم بول وولفويتز شخصياً، علماً أن معظم هؤلاء المحافظين الجدد يتحدّرون من أصول يسارية تروتسكية!
لا خلاص إلا بالمقاومة!

إن الأميركيين وحلفاءهم وأتباعهم يخططون ويعملون من أجل نهوض عالم ديمقراطي يقدّرون أنه سوف يكتمل عام 2020 بظهور مئات البلدان / المحميات التي يعيش فيها ما بين المليار والمليار ونصف إنسان! إن عشرات الدول الواقعة ما بين بحر قزوين والمحيط الأطلسي سوف تتحول بعد تجزئتها إلى مئات المحميّات الديمقراطية، وعندئذ يكتمل مشروع الشرق الأوسط الأكبر، الديمقراطي الأميركي! وتلك المحميات سوف يديرها حكام أميركيون أو أوروبيون، وقد يكون بعضهم من أصول محلية ويحمل أكثر من جنسية واحدة، وفي مهمتهم الإدارية سوف يساعدهم موظفون محليون يتحدثون اللغة الإنكليزية، وسوف تتشكل بطانتهم السياسية من نخب محلية ديمقراطية محدودة، موالية للولايات المتحدة وحلفائها، ومتحدّرة عموماً من الطبقة ما فوق المتوسطة، وتجيد بدورها اللغة الإنكليزية، أما شعوب هذه المحميات الديمقراطية فسوف تعزل عن الهيكل السياسي والإداري بحواجز اللغة والثقافة وقوات القمع الديمقراطي، وترغم على الاستماع من الإذاعة إلى موسيقى معينة، وعلى مطالعة كتب وصحف معينة، وعلى مشاهدة برامج تلفزيونية مختارة بعناية، ريثما يكتمل تأهيلها الديمقراطي!
هل سيتحقق هذا المشروع ويبلغ مداه وغاياته عام 2020؟ الجواب عند المقاومة الفلسطينية والعراقية واللبنانية والسودانية والإيرانية والأفغانية!
www.snurl.com/375h